للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومخالفةُ قياس التصريف. والعيوب العارضة لمجموع الكلام ثلاثة: التعقيد (١)، وتنافر الكلمات، ومخالفة قواعد النحو، ويسمى ضعف التأليف.

أما الغرابةُ فهي قلةُ استعمال الكلمة في متعارَف أهل اللغة أو تناسيها في متعارَف الأدباء، مثل الساهور اسم الهلال، ومثل تكأكأ بمعنى اجتمع، وافرنقع بمعنى تفرق في قول أبي علقمة أحد الموسوسين وقد أصابه صرعٌ فأحاطت به الناس: "ما لكم تكأكأتم علي كما تكَأْكَؤُونَ على ذي جِنَّة؟ افرنقعوا" (٢).

وأما تنافرُ الحروف فهو ثقل قوي في النطق بالكلمة لاجتماع حروف فيها يحصل من اجتماعها ثقل نحو: "الخعخع"، نبت ترعاه الإبل. وأقلُّ منه في الثقل "مستشزرات"؛ بمعنى مرتفعات (٣). وأما الثقلُ الذي لا يُضجر اللسان، فلا يضر نحو "وسَبِّحْهُ"، وقول زهير: "وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنَايَا يَنَلْنَهُ" (٤).


(١) ويقال له التعقيد اللفظي. وهنالك تعقيدٌ يوصف بالمعنوي يرجع إلى الكناية التي تخفى لوازمُها خفاء شديدًا، كما قال بعض المهوسين في مدح بعض علماء تونس: "يا قريب العهد من شرب اللبن"، وقال: أردت أنه قال العلم على صغر سنه. ولا حاجة إلى التعرض له هنا لقلة جدواه، ولأنه لا علاقة له باللفظ الذي هو معروضُ الفصاحة، ولأن الفصاحةَ ليست من فن البيان ولا من فن المعاني، بل هي من مقدمات الفن ولا شيء من المقدمات بمسائل. - المصنف.
(٢) أعلم أن الحكم على الكلمة بالغرابة عَسِرٌ جدًّا بالنسبة للمولدين؛ لأن استعمالَ العرب بعد عنا. وعليه فنحن نعرف غرابة الكلمة إما بكونها غيرَ جارية على الأوزان المتعارفة والحروف المألوفة، نحو هَلَّوَّف أي يوم ذو غيم، وإما بكون الكلمة غيرَ متكررة الاستعمال في المحفوظ من فصيح نظم العرب ونثرهم، نحو "خنفقيق"، أي الداهية المهلكة، فقد قال المهلهل:
قُلْ لِبَنِي حِصْنٍ يَرُدُّونَهُ ... أَوْ يَصْبِرُوا للصَّيْلَمِ الخَنْفَقِيق
وإما بوجود مرادف أكثر استعماله ونُسِيَ الآخر، نحو حيدر بمعنى قصير، فإنه ورد في كلامهم بقلة. - المصنف.
(٣) وقد جاءت في البيت السادس والثلاثين من معلقة امرئ القيس، حيث يقول:
غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إِلَى العُلَا ... تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ
ديوان امرئ القيس، ص ١٧.
(٤) هذا صدر بيت من قصيدة من البحر الطويل، قالها زهير في مدح الحارث بن عوف بن أبي حارثة، وتمامه: =

<<  <  ج: ص:  >  >>