للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطاب في حفل الفرع الزيتوني بسوسة (١)

الحمد لله حمدَ منغمسٍ في آلائه، معترفٍ بجلائل نعمائه على أن أفاض لنا من العلم مهيعًا نميرًا، وأرشدنا كيف نذود عن حياضه ما يكسبها تكديرَا. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنزل الله عليه الكتاب، وضمن حفظه، وعلى آله وأصحابه الذين لم يقصر أحدٌ منهم في أن يأخذ منه حظَّه، أسوس العلوم الراسخة وأطراد الفضائل الباذخة.

أما بعد، فإني مغتبطٌ - بحلولي في هذا المعهد الجليل العتيق - بين نخبة أبنائي من أساتذته الذين ثقفوا التلامذةَ بالعلوم النافعة، وتلامذته الذين زانوا حِلقَه الساطعة، ولِمَ لَا أغتبطُ بذلك وأنا أتوسَّم في هؤلاء وهؤلاء زهرةَ المستقبل وحُظاتَها، ونجائبَ السبق وحداتَها؟

وعسى أن يعود بهم على هذه البلدة ما كان لها من مجدٍ تالد، وذكرٍ هو على صفحات التاريخ خالد، فلقد كان العلمُ في العصور الأولى من تاريخنا مبثوثًا في سوسة وما حولها، فازدهرت جناتُ المعارف وازدهت، ورسخت قواعدُها وما وهت، حتى تغنت بها الحمائمُ وتفتقت عن ثمارها الكمائم، فظهر منها علماء أعلامٌ في عصور كثيرة، وكان أبو إسحاق الجبنياني (٢) يقول: "لقد رأيتُ هذا الساحل وما منه قريةٌ إلا وبها رجلٌ من أهل العلم أو القرآن، أو رجل صالح يزار".


(١) المجلة الزيتونية، المجلد ٦، الجزآن ٢ - ٣، ١٣٦٤/ ١٩٤٥ (ص ٣٩٤ - ٣٩٥).
(٢) هو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن علي بن سالم، البكري، من بكر بن وائل، الجبنياني نسبة إلى قرية جبنيانة التي ولد بها، كان جده علي بن سالم البكري مؤسس جبنيانة وقاضي الساحل وصفاقس من أصحاب الإمام سحنون بن سعيد التنوخي. كان أبو إسحاق فقيهًا، عالمًا بالعربية والقرآن، =

<<  <  ج: ص:  >  >>