للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَغَنَّى إِذَا خَلَا بِاسْمِكِ الحَقِّ ... وَيَكْنِيكِ فِي العِدَى "أمَّ وَهْبِ" (١)

وهذه سنةٌ غرامية سلكها كثيرٌ من الشعراء المحبين.

[ديوان بشار]

إن طرائقَ الرواة في جمع الدواوين مختلفة: فمنهم من يبعثه ولعُه بالشاعر أو بانتقاده إلى مصاحبته في حياته ورواية شعره عنه، فيجمع كلَّ ما يصدرُ عنه من الشعر. وهذه الطريقة أَدْعَى وأثبتُ للصحة، وهي التي نشاهدها كثيرًا في دواوين الشعر المكللة طوالعها بسلسلة رواتها. وبمثل هذه الطريقة جُمع شعر كثير من الشعراء الذين لا يكتبون، مثل العجّاج وجرير وذي الرمة، وبها أيضًا جمع ديوان أبي الطيب المتنبي بما رواه ابن جني والصاحب بن عباد والحاتمي والثعالبي وخلق كثير.

ومنهم من يجمع الديوان من أوراق الشاعر وتقييداته، وهذه طريقة يختلف حالها في استقصاء الجمع على حسب اختلاف أحوال شعرائها في الاهتمام بتقييد آثارهم الشعرية بالانتخاب في التقييد أو بالتعميم، وتفاوتهم في حسن الضبط وانتظامه ووجود أعوان لهم على الكتابة. وبمثل هذه الطريقة جُمعتْ دواوين المتأخرين، وبمثلها جُمع ديوان المعرِّي المسمى بسِقْط الزَّنْد ولزومياته. وقد كان شعر المتنبي مجموعًا عنده، فلما قتلتْه الأعراب تلاشت أوراقه في جملة ما في رحاله، وقد رام ابنُه التقاطها من مصرعه بعد أيام من قتله، فكانت محاولته هذه سببًا في اعتداء أعداء أبيه عليه في موضع مصرع أبيه، على أن الواحدي في آخر شرحه لشعر المتنبي قال: "هذا آخر ما اشتمل عليه ديوانه الذي جمعه بنفسه". (٢)


(١) ديوان بشار بن برد، ج ١/ ١، ص ٢٩١. والبيت من قصيدة من بحر الخفيف قالها بشار في إحدى محبوباته كناها بأم وهب.
(٢) سيأتي التعليق على هذا الكلام بعد قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>