للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمهدي، قال في الأغاني: "جعل له المهدي وفادةً كلّ سنة". (١) وحسبك من مكانته لدى الأمراء ما ذكر ابن رشيق القيرواني - في باب فضل الشعر من كتابه العمدة - أن بشارًا كان من كتّاب الأَزِمَّة مع كونه أعمى، وأن أبا علي البصير الشاعر كان أيضًا من كتّاب الأَزِمَّة (٢). وأحسب أن ذلك زيادةٌ في تقريبه، وأنه كان يملّ على النسّاخ، ولذلك قصر على كتابة الزمام دون كتابة الإنشاء؛ لأن كتاب الإنشاء مستودع أسرار الأمراء، فتعين أن يكونوا قادرين على الكتابة بأنفسهم.

[غرامه وهل هو حقيقة أو تصنع؟]

لا يسلَم الناظرُ في أخبار بشار وفي تضاعيف قصائده من حيرة تلم به وشكٍّ ينتاب نفسه؛ فإنه يجد معظم شعر بشار في الغرام ووصف فنونه القلبية والحسية، فيخامره هاجسٌ يقول: هل كان الغرام يسلك إلى شغاف قلب بشار حتى يكون ما جاء في شعره من وصف عشقه وولهه حقيقةً كما يؤذن بذلك إكثارُه منه وتُصدِّقه أخبارُه ونوادره من حب النساء وميله إلى مغازلتهن وإلقاء نفسه إليهنّ وتهافتهنّ على لقائه وملازمة مجلسه؟


(١) قال محمد بن الحجاج قال: قدم بشار الأعمى على المهدي بالرُّصافة فدخل عليه في البستان فأنشده مديحًا فيه تشبيبٌ حسن، فنهاه لغَيرة شديدة كانت فيه، فأنشده مديحًا فيه، يقول فيه:
كَأَنَّمَا جِئْتُهُ أُبَشِّرُهُ ... وَلَمْ أَجِئْ رَاغِبًا وَمُحْتَلِبَا
يُزَيِّنُ المِنْبَرَ الأَشَمَّ بِعِطْـ ... ـفَيْهِ وَأَقْوَالِهِ إِذَا خَطَبَا
تُشَمُّ نَعْلَاهُ فِي النَّدَى كَمَا ... يُشَمُّ مَاءُ الرَّيْحَانِ مُنتَهَبَا
فأعطاه خمسة آلاف درهم وكساه وحمله على بغل، وجعل له وفادة في كل سنة، ونهاه عن التشبيب البتة، فقدم عليه في السنة الثالثة فدخل عليه فأنشده:
تجَالَلْتُ عَنْ فِهْرٍ وَعَنْ جَارَتَيْ فِهْرِ ... وَوَدَّعْتُ نُعْمَى بِالسَّلَامِ وِبِالبِشْرِ"
وذكر بقية القصيدة. الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ٢١٩ - ٢٢٠ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٩٨ - ٦٩٩ (نشرة الحسين).
(٢) القيرواني: العمدة، ج ١، ص ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>