للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصل الحكمة اليونانية المنقولة إلى العربية]

للحكمة التي اشتغل بها فلاسفةُ الإسلام طريقتان: إحداهما طريقةُ أفلاطون وأُستاذَيه، (١) وهي مشهورة بحكمة الإشراق (بكسر الهمزة). والأخرى طريقةُ أرسططاليس وأتباعه، وهي المشهورة بالحكمة المشّائيّة (بفتح الميم وتشديد الشين). وقد نشأت الطريقتان عن ترجمة كتب إمامَيهما وترك ما عداها.

والحكمتان تتّحِدان في كثير من الأصول وخاصة في الطبيعيات والرياضيات، وتختلفان فيما عدا ذلك؛ أي في العلم الكلِّي الذي يبحث عن الصفات العامة العارضة لجميع الموجودات، والعلم الإلهي وهو الذي يبحث عن المجرّدات، وواجب الوجود وصفاته، وأهل السفارة عنه، ومصير النفوس بعد الموت، فها هنا تختلف الحكمتان اختلافًا بينا. فالحكمةُ الإشراقية طريقُها المكاشفةُ وانقداحُ الحقائق في النفس، وأما ما يُذكر معها من الأدلة فإنما هو للإقناع. والحكمةُ المشّائيّة سبيلُها البحث والقياس العقلي أو الاستقرائي، مع رفضهم الحكمةَ الذوقية. (٢)

ووجهُ تسمية الأولى بـ "الإشراقيّة" أنها تعتمد على إشراق العقل بالارتياض والتجرّد عن الرذائل، فبكثرة الإشراق تكثر الأنوارُ الانكشافية وتتولّد الحقائق الصادقة ومناسباتها. قال السُّهروردي (٣) في حكمة الإشراق: "الإشراقيون لا ينتظم أمرُهم


(١) أستاذا أفلاطون المعروف اسماهما هما: كراتليس Cratylus الذي كان تلميذًا لهراقليطس Heraclitus، وبلغ بشك أستاذه مبلغًا بعيدًا فزعم أنه لا يمكن الاستحمامُ في ماء النهر ولو مرّة واحدة حسب ما ذكر أرسطو في ميتافيزيقاه، كنايةً عن التغير والسيلان المطلق الذي لا ثبات معه لأية حقيقة. والثاني سقراط الذي لزمه أفلاطون منذ العشرين من عمره حتى وفاة الأستاذ مسمومًا. وقد وصلت إلينا فلسفهُ سقراط وآراؤه بفضل ما دونه عنه أفلاطون في محاوراته المختلفة.
(٢) شرح القطب الشيرازي على حكمة الإشراق للسهروردي خط ورقة ٢ وورقة ٩ وورقة ١٣٤. - المصنف. شيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص ٣، ١١، ١٨٠ - ١٨٣.
(٣) هو الحكيم يحيى بن حَبْش (بحاء مهملة مفتوحة وموحدة ساكنة وشين معجمة) السهروردي (بضم السين المهملة وسكون الهاء وفتح الراء، [من سهرورد] بلد من جبال أذربيجان). توُفِّيَ مقتولًا في حلب سنة ٥٨٧ هـ. له كتب جليلة في الحكمة، منها "حكمة الإشراق"، و"هياكل النور"، و"التلويحات"، و"الألواح". - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>