ليس البحثُ في اعتقاد بشار شديدَ الصلة بتعريف قيمة أدبه وشعره؛ فإن لدينا من بلغاء شعراء العربية مَنْ هو مشرك، وهم معظمُ شعراء الجاهلية، ومَنْ هو مؤمن، وهم معظمُ شعراء الإسلام، ومن هو متديِّنٌ بغير الإسلام كالأخطل والسموأل، ومنهم من شرب من الصفو والكدر كلبيد وحسان، وكل هؤلاء لا نجد لاعتقادهم أثرًا في رفعة شعرهم.
غير أن الناس قد عُنُوا في قرون الإسلام الأولَى بالخوض في عقائد أصحاب الشهرة ونحلهم ومذاهبهم، فأصبح هذا البحث من تكملة تراجم أولئك المشاهير. وبشار ممن أخذ بأَوفر حظ من هذا الخوض منذ القدم؛ لأن لاعتقاده أثرًا في حياته، فكان حقًّا علينا أن نتابع الباحثين من رجال الأدب، فنشفع القول ببيان عقيدة بشار ومقدار إيمانه من الصلابة.
إذا أردنا استخراجَ عَقد بشار من شعره لم نجد في شعره أثرًا من الدلالة على ما يكنه اعتقاده من إيمان أو إلحاد، كما لا نجد في شعر معظم الشعراء آثارًا على عقائدهم ونحلهم. ولولا أن الشرك كان عادة من عادات العرب، انتظمت عليه أمورُهم، لمَا كان في شعر شعراء الجاهلية أثرٌ من آثار الشرك إلا نادرًا، بل إن الموجود في شعر بشار من جانب الاعتقاد هو ما يجري على عقائد المسلمين الخالصين.
وبالرغم مِمَّا أُلصق بشعر بشار من أبيات مصنوعةٍ قَصَد بها أعداؤه إلحاقَ الأذى به في حياته أو تبريرَ صَنيع الذين فتكوا به في مماته، فنحن مُلْجَؤُون حين البحث عن عَقْد بشار إلى اقتناص ذلك من مجموع ما يُؤْثَرُ عنه من الأقوال والنزعات وغيرها، عَلَى ما في معظمها من الرَّيب، وأنها - وإن كانت قد أُلصقت به - لا تُشبه نظمَ شعره.
كان الرميُ بالزندقة والإلحاد قد طلع قرنُه من أثناء القرن الأول الإسلامي، ثم بلغ أشده في العصر الذي عاش فيه بشار، بما عظم من المخالفات الاعتقادية