للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الغرض من تأليف الموطأ]

عمد مالك إلى تأليف الموطأ ليجمع فيه ما صحَّ عنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال الصحابة والتابعين، وما عليه عمل أهل المدينة، ويودع ما أخذه من مروياته من أحكام شرعية. وقد اشتهر بين أكثر أهل العلماء أنه ألفه بطلب من الخليفة أبي جعفر المنصور. روى أبو مصعب (١) أن أبا جعفر المنصور الخليفة قال لمالك: "ضُمَّ هذا العلم يا أبا عبد الله ودَوِّنْ كتبًا، وجَنِّبْ فيها شدائدَ ابن عمر، ورخصَ ابن عباس، وشواذَّ ابن مسعود. واقصد أوسطَ الأمور، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة". (٢) وقال الكِيَا الْهَرَّاسي: "موطأ مالك كان تسعة آلاف حديث، ثم لم يزل ينتقي حتى رجع إلى سبعمائة حديث". (٣)


(١) هو أحمد بن القاسم الزهري، من أعقاب عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -. وهو من أصحاب مالك من أهل المدينة. توُفِّيَ سنة اثنتين وأربعين ومائتين وعمره تسعون سنة. أحد رواة الموطأ. - المصنف.
(٢) روى ابن قتيبة أن مالك قال فيما حكى عن لقياه أبا جعفر المنصور بمنى في حج سنة ١٦٣ هـ: "ثم قال (يعني المنصور) لي: يا أبا عبد الله ضُمَّ هذا العلم ودونه، ودون منه كتبًا، وتَجنَّبْ شدائدَ عبد الله ابن عمر، ورخص عبد الله بن عباس، وشواذَّ ابن مسعود. واقصد أوسطَ الأمور، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة - رضي الله عنهم -، لنحمل الناسَ - إن شاء الله - على علمك وكتبك، ونبثها في الأمصار، ونعهد إليهم ألا يخالفوها ولا يقضوا بسواها. فقلت له: أصلح الله الأمير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا ولا يرون في علمهم رأينا". الدينوري: الإمامة والسياسة، ج ٢، ص ٣٢٣. والرواية التي ذكرها عياض أقرب إلى اللفظ الذي أورده المصنف. اليحصبي: ترتيب المدارك، ج ١، ص ١٩٣. وفيه (ص ١٩٣) أن المهدي قال لمالك: "ضع كتابًا أحمل الأمةَ عليه، فقال له مالك: أما هذا الصقع - يعني المغرب - فقد كُفيته، وأما الشام ففيه الأوزاعي، وأما أهلُ العراق فهم أهل العراق". وفيه أيضًا (ص ١٩٢) أن مالكا قال للمنصور: "يا أمير المؤمنين إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا في البلاد، فأفتَى كلٌّ في مصره بما رآه".
(٣) الزرقاني: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، ج ١، ص ١٤. وروى القاضي عياض عن سليمان بن بلال أنه قال: "لقد وضع مالك الموطأ وفيه أربعة آلاف حديث أو قال أكثر، فمات وهي ألف حديث ونيف، يلخصها عامًا عامًا بقدر ما يرى أنه أصلحُ للمسلمين وأمثل في الدين". ترتيب المدارك, ج ١، ص ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>