للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

درس في موطأ الإمام مالك - رضي الله عنه -: "جامع القضاء وكراهيته" (١)

" عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدًا، وإنما يقدس الإنسانَ عملُه. وقد بلغني أنك جُعلتَ طبيبًا تداوي، فإن كنت تبرئ فنعمَّا لك، وإن كنت متطبِّبًا فاحذر أن تقتلَ إنسانًا فتدخل النار. فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثُم أدبرا عنه، نظر إليهما وقال: ارجعا إليَّ، أعيدَا عليَّ قضيتَكما، متطببٌ والله". (٢)

[[تمهيد: القضاء بين الترغيب والترهيب]]

لم يترك الإمام رحمه الله تعالى في تبويبه هذا حقًّا من المناسبة في التبويب إلا قضاه، إذ أخر التحذير من القضاء إلى آخر كتاب الأقضية، واستهل كتابَ الأقضية بالترغيب في القضاء بالحق، آثر بذلك التقديم وهذا التأخير ترتبًا طبيعيًّا من وجهين:

١ - أولهُما أن الناس لو سُلك بهم مسلكُ الاقتصار على الترهيب من القضاء، ثم تمشى ذلك في عقول العلماء العدول فعافت نفوسُهم القضاء وتمالؤوا على التفصِّي منه، لكان من أثر ذلك أن يصبح الناسُ فوضى ويرجعوا إلى الهمجية الأولَى يقتصُّون لأنفسهم، تلك الهمجية التي كان من جهد الشريعة إبعادُ الناس عنها، قال الحماسي:


(١) المجلة الزيتونية، المجلد ٣، الجزء ٩، رمضان ١٣٥٨/ أكتوبر ١٩٣٩ (ص ٣٦٨ - ٣٧٦).
(٢) موطأ الإمام مالك بن أنس، رواية يحيى بن يحيى الليثي، نشرة بعناية أحمد راتب عرموش (بيروت: دار النفائس، ط ١٢، ١٤١٤/ ١٩٩٤)، "كتاب الأقضية"، الحديث ١٤٥٥، ج، ص ٥٤٦. ومن الغريب أن محقق الموطأ بروايته الثمانية قد أسقط هذا الأثر بدون مسوغ مع وجوده في رواية يحيى الليثي.

<<  <  ج: ص:  >  >>