ليس مقطوعًا به؛ إذ لم يكن من قبيل النصِّ بل كان من قبيل الظاهر الذي يحتمل معنيين: أحدهما راجح، أو من قبيل المجمل الذي يحتمل معنيين على السواء. وهذا كثير، تجد أمثلتَه فيما اختلف علماء الأمة في المراد منه من آيات القرآن.
وليس بين أيدينا الآن من المتواتر غيرُ القرآن، وما هو معلومٌ من الدين بالضرورة. وأما الأحاديث المتواترة، فقد قال علماؤنا: ليس في السنة متواتر، لتعذر وجود العدد الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب في جميع عصور الرواة بيننا وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإنما أكثرُ الأحاديث رواةً لا يعدُو أن يكون من المستفيض، كما تقرر في أصول الفقه.
[[مذاهب العلماء في المهدي]]
من أجل ذلك لا تجد علماءَ أصول الدين مشتغلين بهذه المسألة، إلا أنك تجد في بعض كتبهم ما يشير إليها في أثناء الكلام على مسائل الإمامة التي ألحقوها بمسائل أصول الدين، وما هي منها كما قال إمام الحرمين في الإرشاد؛ (١) لأن مسائل الإمامة قد اختلفت في معظمها فرقُ المسلمين. وكان خلافُهم فيها سببًا في تفسيق بعضهم بعضًا وتكفير بعضهم بعضًا، فأشبهت الخلافَ في أصل الاعتقاد الموجب لامتشاق الحسام، والتهمة بالخروج عن دائرة الإسلام، كما فعل الحروريةُ والأزارقة في قولهم:"لا حكم إلا لله". وإذا تقصَّيْنا أقوالَ المثبتين للمهدي وجدناها ترجع إلى مذهبين:
أحدهما - وهو الأشهر - مذهبُ الإمامية، يقول بأن المهدي الذي يخرج في آخر الزمان هو موجودٌ من قبل، وهو مختف. وهذا المذهب قد تصدَّى أصحابُنا إلى رده بما لخصه النسفي في عقيدة أهل السنة إذ قال:"ثم ينبغي أن يكون الإمام ظاهرًا، لا مختفيًا ولا منتظرًا". قال التفتازاني في شرحه: "وأنت خبير بأن اختفاء الإمام يساوي عدمَه
(١) الجويني: كتاب الإرشاد، ص ٣٤٥. قال إمام الحرمين: "الكلام في الباب ليس من أصول الاعتقاد، والخطر على مَنْ يزل فيه يُربي على الخطر على مَنْ يجهل أصلَه".