للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوزير العالم أن يُضَمِّنَ وصيةَ أبنائه الغير الأنجاب ما يتعلمه الصبيانُ في أيام الكتَّاب، خصوصًا في أضيق أوقات الكلام وأحوجه إلى الملء بالمهام (١).

ومن العجائب أن ابنَ الأثير ذكر في "المثل السائر" فصلًا لنفسه من رسالة قال فيها: "أقبلت ربائب الكِنَاس في مُخْضَرِّ اللباس، فقيل: إنما يخترن الخضرةَ من الألوان ليصِحَّ تشبيهُهن بالأغصان" (٢)، فعد هذا معنًى مبتدَعًا وأُعجب به، مع أنه معنى مبتذَلٌ شائع.

[ترتيب المعاني وتنسيقها وتهذيبها]

اعلمْ أنه لا سبيلَ إلى الاستنتاج إلا الترتيب، ولا يحصل ترتيبُ المعاني إلا بتقريرها في الذهن ابتداءً، ثم رَعْيِ التناسب بينها بتفكيكها وتقسيمها والموازنة بينها. والخطيبُ أحوجُ إلى هذا من الكاتب كما يأتي في الخطابة؛ لأنه يقول ولا يكتب، فلا يعينه إلا الاعتمادُ على الترتيب الطبيعي للكلام، حتى يعتادَ ذهنُه ذلك، ويصير له دربةً وسَجِيَّة، كي لا يُرتج عليه (٣) إن لم يُقَرِّرِ المعاني في ذهنه، ولئلا يلعن بعضُ كلامه بعضًا إن لم يُرَتِّبْها ويُقَسِّمْها. ويشهد لهذا ما نُقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال


= ومن وراء خطة النجاه، ونفَّقَ بضائعها المزجاه، بلطائفه المرتجاه، والسلام عليكم من حبيبكم المودع، والله يلأَمُه حيث شاء من شمل متصدع، والدكم محمد بن عبد الله بن الخطيب ورحمة الله وبركاته". المقري: أزهار الرياض في أخبار عياض، ج ١، ص ٣٢٠ - ٣٣٦. (والشاهد في ص ٣٢٧).
(١) ونحن لا نجاري المصنف فيما عابه على ابن الخطيب رضي الله عنهما جميعًا، وفي حكمه على الوصية. وإنما نقول كما قال المقري بحق: إنها حوت جملًا "من الحكم والوصايا النافعة" فيما يجب أن يكون عليه شأن الإنسان المسلم كله في هذه الحياة الدنيا فلا يبغته أجل الموت على غير عدة لاستقبال الآخرة، بل أقول إن لسان الدين ابن الخطيب قد برع في أن تكون وصاياه جامعة متوازنة بين ما ينبغي على المرء أن يحصله في حياته من أحوال وشروط توصله إلى سعادة الدنيا والفوز في الآخرة. وإنها لوصية جديرة بأن يدرسها الدارسون وينظر فيها الناظرون.
(٢) ابن الأثير: المثل السائر، ج ١، ص ٣٠٩.
(٣) يقال: رَتِج في منطقه رَتَجًا، وأُريج عليه: استُغلِق عليه الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>