للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[نسيب بشار]

لما كان النسيب والغزل يفيض عن العشق، وهو استحسان الذات، وكان بشار فاقدَ البصر، فقد انتحل لغرامه نِحْلةً جديدة، وهي دعوى أن عشق السمع كعشق البصر. وإن إجادته النسيبَ لأوضح دليل على قوة تخيله الشعري وفصاحة لسانه، وقد تقدم في مبحث غرامه ما فيه غُنْية عن التطويل. ومن المعاني التي لم أرها لغيره في النسيب ذكرُ تصوير محبوبته ومناجاة صورتها، ويذكر أن التصوير في التراب (انظر البيتين في الورقة ١٠٢) (١).

[هجاء بشار]

الهجاء بابٌ من أبواب الشعر القديم، لكنه قليلٌ بالنسبة للحماسة والمفاخر والنسيب. وهجاءُ العرب معظمُه نَبْزٌ بمعايبَ واقعة من قبائح المهجو وسقطاته وحط لمقداره وتعيير له بمساوئ الخلال عندهم من الجبن وتحمل الضيم واللؤم. وأشهرُ طرائقه طريقة التعريض والتلميح والمبالغة، يقصدون من إيداع هذه الفنون فيه أن يكون [أسْيَرَ] بين الناس، كقول عُوَيْفِ القَوَافِي (٢) في هجاء قبيلة اسمها وَبْر:


(١) البيتان هما السادس عشر والسابع عشر من قصيدة من بحر الهزج قالها في خاتم الملك وهي حبى العامرية، وهما قوله:
فَإنِّي كُلَّمَا اشْتَقْتُ ... إِلَى وَجْهِكِ صَوَّرْتُهْ
أُنَاجي شَبَهًا مِنْكِ ... عَلَى التُّرَاب إِذَا اشْتَقْتُهْ
ديوان بشار بن برد، ج ١/ ٢، ص ١٣.
(٢) قال أبو الفرج في ترجمته: "هو عويف بن معاوية بن عقبة بن حصن، وقيل: ابن عقبة بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جؤية بن لودان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار. وعويف القوافي شاعرٌ مقل من شعراء الدولة الأموية من ساكني الكوفة، وبيته أحد البيوت المقدمة الفاخرة في العرب. . . وإنما قيل لعويف: عويف القوافي لبيت قاله، نسخت خبره في ذلك من كتاب محمد بن الحسن بن دريد ولم أسمعه منه. قال: أخبرنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي، قال: =

<<  <  ج: ص:  >  >>