فلذا جاء الإسلام بالنهي عن تعظيم غير الله، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - الناسَ عن القيام إليه، وكان يجهر بكلمة "وأن محمدًا عبده ورسوله". فنشأ عن هاته الأصول التوحيدية عزة النفس وقوة الإرادة وجودة الفكر للشعور بالمساواة.
أما الإسلام - وهو الشريعة الخاتمة - فقد جاء والإنسان على مراهقته لعلياء درج الترقي، ولكن ببطء الصعود يتعثَّر في أوحال بقايا الجهالة وظلمات الشرك، فلم يزل به حتى نشله إلى حيث أعد الله له، وكانت تعاليمُه تنطبق على سائر الأمم. ولذا كانت دعوتُه تخالف ما لقومه مخالفةً واضحة من جهتين: جهة عمومه، وجهة تهيؤ البشر إلى التعاليم العليا، وأوَّلهُما مفَرَّعٌ عن الثاني كما لا يخفى، مع تماثل المبادئ ووحدة الغاية. ولهذا جاء في القرآن:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: ١٩]، أي أن المعتبر عند الله لرقي الإنسان هو تعاليم الإسلام، ولكن ما سبقه كان تمهيدًا بين يديه ليهيئ له أفهامًا ثقفتها الحوادثُ وأرضتها مراوضةُ الشرائع.
[ظهور الإسلام]
وُجد الإسلام في عصر أحوج ما يكون من العصور إلى دين عام يزجر العقول الآفنة والنفوس الصغيرة عن عبثها بنظام الكون، ويرأب في الأمم من تفريقها في الأخلاق، وليس يسمح الوقتُ أن نحيط بمجمل تاريخ العالم أيام ظهور دعوة الإسلام حتى نريَ السامعين حاجةَ الناس كافة إلى نبأة تصيخ لها آذانهم وتزلزل بها عروش الظلم والجبروت، فتسقط عنها تماثيل الضغط والاستبداد لتزجهم إلى موقف المحاسبة والمساواة.
(١) البرقوقي: شرح ديوان المتنبي، ج ١، ص ١٨٢. والبيتان هما الثاني والثالث من قصيدة قالها المتنبي يمدح سيف الدولة ويذكر بناء مرعش سنة ٣٤٠ هـ، وقد جاء البيت مختلفًا الأول في بعض ألفاظه عما ساقه المصنف هنا، ففيه "وكَيْفَ عَرَفْنَا" بدل "وَلمَّا رَأَيْنَا"، و"لِعِرْفَانِ" عوض "لإدراك". والأكوار جمع كور وهو رحل البعير.