تكلم في صحائف ٤٨ - ٤٩ - ٥٠ - ٥١ - ٥٢ على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هل ثبت له وصفُ الملك مع الرسالة؟ وهل في هذا البحث حرج؟ وهل وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالملك أو عدم وصفه به يمس جوهر الإسلام أو يمس بالباحث في ذلك؟ وفرق بين مفهوم الرياسة ومفهوم الملك، وأثبت أن بعض الرسل لم يكونوا ملوكًا، إلخ.
وكل ذلك مُسَلَّمٌ لا نزاعَ فيه. وإننا إن نظرنا إلى المسميات فلا منافاةَ بين مُسمَّى الملك ومسمى الرسالة؛ إذ الملك عبارة عن تقلد أحد لأمر أمة يتولى شؤونها وسياستها وتنفيذ شريعتها بالرغبة والرهبة، وذلك مما ينفذ مقاصدَ الرسالة ويكمل خطتَها كما أشرنا إليه سابقًا من أن تعاضد الدين والدولة واجتماعهما في جهة واحدة أجلى مظاهر الدين وأنسبُ بشرفه الإلهي، فلا مانعَ من ثبوت مسمى الملكية لرسول أو نبي. وقد حكى القرآن عن سليمان - عليه السلام - قوله:{وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}[ص: ٣٥].
غير أن لفظ الملك لما علق به منذ الأزمنة القديمة من عوارض الجبروت والترف واللهو عن الحقيقة والشغل بالسفاسف واستخدام القوة في الظلم والفساد في الأرض، صارت هاته الأوصافُ وتوابعها تسبق للأذهان عند سماع لفظ مُلْك ومَلِك، فلأجل ذلك تحاشى الناسُ عن وصفِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالملك أو بكونه ملكًا.
ويشهد لهذا ما وقع لأبي سفيان مع العباس بن عبد المطلب يوم أسلم قبيل يوم فتح مكة، ثم وقف مع العباس يشاهد كتائبَ جيش الفتح المبارك تمرّ بين يديه