للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنُّ الخطابة (١)

[ما هي الخطابة؟]

إن الخطابةَ وإن كانت فنًّا من فنون الإنشاء، وكانت القواعد المتقدمة والشروط المقررة مطردة فيها لا محالة، غير أن صاحبها لما كان أشدَّ اعتمادًا على البداهة والارتجال منه على الكتابة، تعين أن يُذكر لها من الضوابط والشروط ما لا يجري مثلُه في عموم صناعة الإنشاء، كما كان للشعر من الضوابط ما يختصُّ به عن الإنشاء، وإن كان هو في الأصل فنًّا من أفانينه.

ولقد رأينا المتقدِّمين مِمَّن ألف في صناعة الإنشاء لم يُعرِّجوا على ذكر ما هو من خصائص الخطابة، حتى إنك لتجد شيئًا من قواعدها في خلال مطولاتِ كتب المنطق (٢)، ولا تجد ذلك في كتب الأدب. غير أن المناطقةَ خصُّوها بضرب من


(١) من المناسب هنا الإشارة إلى أهم من المؤلفات التي عالجت موضوع الخطابة وما يتصل به مسائل كتاب "الخطابة: أصولها - تاريخها في أزهر عصورها عند العرب" للشيخ محمد أبي زهرة عليه رحمة الله، وقد نشر سنة ١٩٣٤ بعد رسالة الشيخ ابن عاشور بأربعة عشرة سنة.
(٢) تعد الخطابة أحد الأجزاء أو الكتب الثمانية التي يتكون منها تراثُ أرسطو في المنطق، وهي المقولات، والعبارة، والقياس، والبرهان، والجدل، والسفسطة، والخطابة، والشعر. قال ابن خلدون: "هذه هي كتب المنطق الثمانية عند المتقدمين، ثم إن حكماء اليونانيين بعد أن تهذبت الصناعةُ ورُتبت، رأوا أنه لا بد من الكلام في الكليات الخمس المفيدة للتصور المطابق للماهيات في الخارج، أو لأجزائها، أو عوارضها - وهي الجنس والفصل والنوع والخاص والعرض العام - فاستدركوا فيها مقالةً تختص بها مقدمة بين يدي الفن فصارت تسعًا، وتُرجمت كلُّها في الملة الإسلامية، وكتبها وتداولها فلاسفةُ الإسلام بالشرح والتلخيص، كما فعله الفارابي وابن سينا ثم ابن رشد من فلاسفة الأندلس. ولابن سينا كتابُ الشفاء استوعبَ فيه علومَ الفلسفة السبعة كلها، ثم جاء المتأخرون فغيروا اصطلاحَ المنطق، وألحقوا بالنظر في الكليات الخمس ثمرته، وهي =

<<  <  ج: ص:  >  >>