عظيم لهم ولنفسه؛ لأن من راحة المرء في حياته استقامةَ وراحة مَنْ تربطه بهم أسبابُ الحياة.
نهى بعد ذلك عن الفحشاء، وهي ما يتجاوز حدَّ الكرامة ويبالغ في السوء؛ لأن الفاحش يوصف به المجاوز للحد في الأمور الذميمة. وأكثر الفحشاء تنشأ عن القوة الشاهية وعن المنكر، وهو ما ينكره المرءُ إن وقع عليه، [وهو] من آثار القوة الغضبية. و [نهى] عن البغي، وهو تجاوزُ الحد في الشيء، من آثار القوة الواهمة، نحو الغلو في العزة والكرم.
لا شك أن المتأمل في هذه الآية ومقتضياتها يوقن أنها جاءت تأمر بالفطرة التي يعترف بها كل أحد ويحبها لنفسه. ويجمع ذلك أحكام التكاليف والمعاملة (١)، ولم يحد عن طريق الفطرة الفاضلة.
وَلِّ وجهك إن نسيت إلى آية:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}[الأعراف: ١٥٧]، كيف تجد الفطرة السليمة تبسم عند سماعها إن لم يله سمعها نزغات المكابرين ووسواس الشياطين وإلف عادة الآباء الأولين.
[[التأسيسات الأصلية]]
أما وقد تقصينا ما عرض من فلسفة تاريخ ظهور هذا الدين ومقاصده الأولية نحو العالم الإنساني وتوابعهن وهي عارضة لا تعج إلا بعضًا من مرامي الإسلام، فلنرجع إلى البحث في مناسبة تأسيساته الأصلية لمقاصده لنعرف ما مهد الإسلام من عقبات كانت حائلًا دون الرقي النهائي في المدنية العقلية.
(١) انظر للمصنف مزيد بيان لمعاني الآية وتفصيل لبعض مقتضياتها في: تفسير التحرير والتنوير، ج ٧/ ١٤، ص ٢٥٤ - ٢٦٠.