للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيجاز، لضيق المجال أو المبادرة خَشيةَ الفَوَات؛ فإن التطويلَ قد يُشَتِّتُ الذهنَ، كقول [عثمان بن] أبي العاص الثقفي لقومه ثقيف حين همُّوا بالارتداد مع مَنِ ارتد من العرب: "يا قوم! كنتم آخرَ العرب إسلامًا، فلا تكونوا أولَهم ارتدادًا" (١)، فصدَّهم بذلك عن همِّهم الذي لو سلكوه لعَسُرَ انسلالُهم منه. أو لقصد الوعي، مثل مقام الوصاية، مثل ما كتب بديع الزمان لابن اخته: "أنتَ ابني ما دمتَ والعلمُ شأنُك، والمدرسةُ مكانُك، والمحبرةُ حليفُك، والدفترُ أليفُك. فإن قَصَّرْتَ - ولا إخالُك - فغيري خالُك، والسلام". (٢)

ولجميع هاته المقاماتِ خصوصياتٌ يطولُ بنا بيانُها.

[القسم الثاني: [الإنشاء] اللفظي]

إن للفظِ حظًّا كبيرًا في الإنشاء، فإنَّ بحسنه يظهر رونقُ الإنشاء، ويترقرق ماؤه؛ وإنك لترى المعنى الشريفَ إذا لم يُمنح من الألفاظ ما يناسبه أصبحَ لفظُه له


(١) ذكر ذلك الملا علي القاري عند شرح الحديث ٧٧ من المشكاة في ترجمته لراويه الصحابي عثمان بن أبي العاص. وفيه "ردة" عوض "ارتدادا". وهو بهذا اللفظ عند الجاحظ. القاري، علي بن سلطان محمد: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تحقيق جمال عيتاني (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، "كتاب الإيمان"، ج ١، ص ٢٣٨؛ قال الجاحظ "ومن الأشراف أيضًا عثمان بن أبي العاص، وإليه يضاف شط عثمان. شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نسيان القرآن فتفل في فيه فكان بعد ذلك لا ينسى ما حفظ منه وقال لثقيف بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين همت بالارتداد: يا معشر ثقيف كنتم آخر الناس إسلامًا فلا تكونوا أولهم ارتدادًا وكان فارس ثقيف خرج إلى عمرو بن معدي كرب حين غزاهم في بني زبيد وغيرهم فلم يلبث له وطلبه ففاته وله في ذلك شعر مشهور وكان شاعرًا بينًا عاقلًا رئيسًا سيدًا مطاعًا وله فتوح كبار ومقاماتٌ شريفة وكان في شرط ثقيف ألا يولى عليهم إلا رجلًا منهم فولاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكتب عمر بن الخطاب إلى عثمان وأبي موسى حين كانا في شق بلاد فارس: إذا التقيتما فعثمان الأمير وتطاوعا، والسلام". الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر: كتاب البرصان والعرجان والعميان والحولان، تحقيق عبد السلام محمد هارون (بيروت: دار الجيل، ط ١، ١٤١٠/ ١٩٩٠)، ص ٣٩١ - ٣٩٢.
(٢) سبق توثيقها.

<<  <  ج: ص:  >  >>