للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوْضَةٍ أرضعتْها السماءُ شآبيبَها، ونثرتْ عليها كواكبَها، وَوَفَدَ عليها النُّعمانُ بشقيقه، واحتلَّ فيها الهندُ بخَلُوقه، وبكَّرَ إليها بابِلٌ برحيقِه. فالجمالُ يُثْنِي لِحُسْنِها طرفَه، والنَّسيمُ يهزُّ لأنفاسها عِطْفَه. وتمنَّيْنَا أن يتَبَلَّجَ صُبْحُك من خلالِ فُروجه، وَتَحُلَّ شمسُك في منازلِ بُرُوجِه، فيَطْلع علينا الأُنسُ بِطُلوعِك، وتُهْدِيه بوُقُوعِك. ولنْ تَعْدِم نَوْرًا يَحْكِي شَمائلَكَ طيبًا وَبَهْجَة، وَرَاحًا تَخالُها خِلَالَك صفاءً ورقة، وألْحانًا تُثِيرُ أشْجانَ الصَّبِّ، وتَبْعثُ أطْرَابَ القَلْب، وَنَدَامَى تَرْتَاحُ إليهم الشَّمُولُ، وتَتَعَطَّر بِأرَجِهم القَبُول، ويَحسد الصبحُ عليهم الأصيل، ويقصر بمجالستهم الليلُ الطويل". (١)

ثم إن للكلامِ مقاماتٍ متنوعة: منها مقامُ تحقيق، ومنها مقامُ مسامحة. ففي الأول يُؤتَى بالبرهان والحكمة والجد، وفي الثاني يؤتى بالخطابة والشعر والتمليح والمزح. ومن المقاماتِ مقامُ تبيينٍ، ومقام تنميق. ففي الأول الحقيقةُ، والتصريحُ، واللفظُ المتعارَف. وفي الثاني المجازُ، والكنايةُ، والتعريضُ، والتمليح، والتوجيهُ، والإبهامُ، والخصوصِيُّ من الألفاظ.

و[ينقسم الكلامُ] باعتبارٍ آخر إلى مقامِ اقتصاد، ومقامِ إفراط. ففي الأول حكايةُ الواقع، وفي الثاني المبالغةُ وفروعُها. وباعتبار آخر إلى مقامِ إطنابٍ، ومقام


(١) اعتمدنا في ضبط النص على رواية الفتح ابن خاقان بتحقيق المصنف، مع تصويب ما ترجح لدينا أنه تصحيف، وقد تمثل ذلك في عبارة "ندى من" التي من الواضح أنها تصحيف لكلمة "ندامى"، وهو ما أثبته خريوش في تحقيقه. أما ما كان الأمر فيه راجعًا إلى اختلاف الروايات، فقد جرينا فيه على ما أثبته المصنف. الفتح بن خاقان، أبو نصر محمد بن عبيد الله القيسي: قلائد العقيان، صححه وحققه وعلق عليه سماحة الأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (تونس: الدار التونسية للنشر بالتعاون من وزارة الثقافة والإعلام، ١٩٩٠)، ص ٢٦٠؛ قلائد العقيان ومحاسن الأعيان، صححه وحققه وعلق عليه الدكتور حسين يوسف خريوش (عمان: مكتبة المنار، ط ١، ١٤٠٩/ ١٩٨٩)، ج ١، ص ٣٢٠ - ٣٢١؛ الأصبهاني الكاتب، العماد: خريدة القصر وجريدة العصر (قسم شعراء المغرب والأندلس)، تحقيق آذرتاش آذرنوش وتنقيح وزيادة محمد العروسي المطوي وزميليه (تونس: الدار التونسية للنشر، ط ٢، ١٩٨٦)، ج ٢ - ٣، ص ٣٩٢ - ٣٩٣. وانظر كذلك ابن بسام: الذخيرة، ج ٣/ ١، ص ٣٠٥. وبين الروايتين اختلاف، وقد ضبطنا النصَّ وَفق ما جاء في "الخريدة".

<<  <  ج: ص:  >  >>