للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظهر أن ليس من المترادف أن نؤول دلالةَ اللفظين أو الألفاظ إلى مآل واحد، إذا كان المعنى المدلولُ لأحد اللفظين مختلفًا بالمفهوم، فإن كثيرًا من الألفاظ المتقاربة المعاني تفيد عند الاستعمال مَفاداتٍ متحدة.

وأُمَثِّل لذلك بما ذكره أبو الفتح في الخصائص: " [ومن ذلك ما جاء عنهم في] الرجل الحافظ للمال، الحسن الرِّعْيَة له [والقيام عليه، يقال: ] هو خَالُ مَالٍ، وخَائِلُ مَال، وصَدَى مال، وسُرسُوْر مال، وسُؤْبان مال، ومِحْجَن مال، وإِزَاءُ مال، وبِلْوُ مال، وحِبْل مال، وعِسْل مال، وزِرُّ مال. وجميع ذلك راجعٌ إلى الحفظ لها، [والمعرفة بها] ". (١)

وكذلك مآل اللفظين إذا كان أحدهما حقيقةً والآخر مجازًا غير منقول إلى الحقيقة. وأمثل أيضًا باللفظ الدال على معنى واللفظ الدال على نفي نقيضه، نحو قوله تعالى: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (٧٩)} [طه: ٧٩]، وقول أبي طالب:

وَمَوْطِئُ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ قَائِمًا ... قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ (٢)

[المبحث الثاني: هل المترادف واقع في اللغة العربية؟]

هذا مُخْتَلَفٌ فيه بين أئمة العربية اختلافًا غريبًا منشؤه اختلافُ وجهة أنظارهم في عده لمزًا للغة وعدم عده إياه (٣)، وذلك أنه لا خلافَ في أن المقصد من اللغة الإبانةُ عن المراد، فوضع الأسماء للمسميات طريقٌ للإبانة، فإذا وضع للمسمى اسمٌ حصلت فائدةُ الإبانة، فيكون وضعُ اسم ثان فصاعدًا لذلك المسمى زيادة على اللازم للإبانة، فمن هنا سلكوا مسلكين:


(١) ص ٥٢١ طبع الهلال سنة ١٣٣١ هـ. - المصنف. ابن جني: الخصائص، ج ١، ص ٤٨٦.
(٢) سبق توثيق هذا البيت في مقال "شرف الكعبة" من القسم الأول، وبيان ما هناك من خلاف في روايته.
(٣) هكذا في المطبوع في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ويبدو أن فيه اضطرابًا، فإذا كانت كلمة "لفظًا" صحيحة أي من وضع المصنف، فينبغي أن يكون الضمير في عبارة "عده إياه" للجمع لا للمفرد معادًا على "أئمة العربية". وهناك احتمال لقراءة أخرى لعبارة "في عده لمزًا للغة وعدم عده إياه" على الوجه الآتي: "في عدهم إياه من مزايا اللغة وعدم عده". والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>