للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعراض الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الاهتمام بتناول الطعام (١)

مِمَّا يمر بمزاوِل السيرة النبوية والمغترم بتقصِّي الآثار المحمدية أن يجدَ في "كتاب الشمائل" للترمذي وغيره صفةَ عيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وعيش أزواجه أمهات المؤمنين، ويمر به في كتب الحديث حديثُ عائشة رضي الله عنها: "ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض"، (٢) وقولها: "نمكث شهرًا ما نستوقد نارًا، إن هو إلا الماء والتمر". (٣)

وقد رأيتُ بعضَ المؤمنين يعتوره في هذا المقام هاجسٌ وحيرة فيقول: كيف قتر الله على رسوله الرزق؟ والبعض يقول: إذا كان ذلك لحكمة في سيرة الرسول لعظمة زهده في متاع الدنيا، ولقوة صبره على لأوائها، فلماذا لم يُرزق أزواجُه ما فيه كفايةٌ لهن ولم يكن لهن من المرتبة ما يبلغن به مرتبةَ الرسول فيساوينه فيما هو من دلائل علوّ الهمة في الإعراض عن الدنيا، فيكرب وتضيق نفسه؟


(١) الهداية الإسلامية، المجلد ٧، الجزء ٩، ربيع الأول ١٣٥٤ (ص ٤٥٠ - ٤٦٣).
(٢) كنز العمال، "باب شمائل الأخلاق - زهده - صلى الله عليه وسلم -"، الحديث ١٨٦٠٦، ج ٧، ص ١٨٧. (وذكر أنه أخرجه ابن جرير الطبري). وأخرج البخاري عن عائشة أنها قالت: "ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم -، منذ قدم المدينة، من طعام البُرِّ ثلاث ليال تباعًا، حتى قبض". صحيح البخاري، "كتاب الأطعمة"، الحديث ٥٤١٦، ص ٩٦٦؛ "كتاب الرقاق"، الحديث ٦٤٥٤، ص ١١٢٠. ومثله عند البيهقي: دلائل النبوة، ج ١، ص ٣٤٣. وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: "ما شبع رسول - صلى الله عليه وسلم - وأهله ثلاثًا تباعًا من خبز البر حتى فارق الدنيا". سنن الترمذي، "كتاب الزهد"، الحديث ٢٣٥٨، ص ٥٦٢؛ اليحصبي: الشفا، ص ٨٢.
(٣) سنن الترمذي، "أبواب صفة القيامة والرقائق والورع"، الحديث ٢٤٧١، ص ٥٨٦. "إنا كنا آل محمد نمكث شهرًا ما نستوقد نارًا إن هو إلا الماء والتمر". قال الترمذي: "هذا حديث صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>