والقصر نوعان: حقيقي وإضافي؛ لأن التخصيص لشيء إن كان مبنيًّا على أنه كذلك في الواقع ونفس الأمر فهو القصر الحقيقي، وإن كان مبنيًا على النظر لشيء آخر يقابل الشيء المخصَّص به فقط لإبطال دخول ذلك المقابل، فهو قصرٌ إضافِيٌّ تدل عليه القرينة. فالأول كقولك:"إنما الخليفة فلان"، والثاني كقولك:"إنما الكاتب زيد"، أي: لا عمرو ردًّا على من زعم أن عمرًا كاتب، ولا تريد أن زيدًا هو الكاتب في الأرض أو في البلد دون غيره. والحزم سوء الظن بالناس، أي: ليس حسن الظن بحزم، ولم يرد أن الحزم كله في سوء الظن.
ومن القصر الحقيقي ما يُسمَّى بالادعائي، وهو أن تدعيَ قصرَ الصفة على الموصوف لقصد المبالغة، نحو قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧)} [النساء: ١١٧]، مع أنهم دعوا هبل ويغوث ويعوق، لكنهم لمَّا أكثروا دعوةَ اللات والعزى ومناة جُعِلوا كالذي لا يدعو إلا إناثًا. وقوله في حق المنافقين:{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}[المنافقون: ٤]، مع أن المتظاهرين بالشرك والكفر أعداء، لكن لمَّا كانت مضرةُ عداوة المنافقين أشدَّ جُعِلت عداوةُ غيرهم كلا عداوة.
[الإنشاء]
الكلامُ كلُّه إما خبر أو إنشاء. فالخبر هو الكلام الذي يحتملُ الصدقَ والكذب بأن يكون للنسبة المعنوية التي تضمنها الكلام خارج، أي: وجودٌ في نفس الأمر يوافقها تارةً ولا يوافقها أخرى. فإن وافقها الخارجُ فهي صادقة، وإن خالفها فهي كاذبة؛ لأن الخبر يُقصد منه حكايةُ ما في الوجود الخارجي. فلا جرم لزم عَرْضُ نسبته على ما في الخارج، فإن نشأ عن ذلك العرض علمٌ بأنها مطابقة للخارج المحكي فهي صادقة، أو عُلِم بأنها غير مطابقة بل هي مخالفة للخارج فهي كاذبة.
والإنشاءُ الكلام الذي لا يحتمل الصدق والكذب؛ لأنه لم يُقصد منه حكايةُ ما في الخارج، بل هو كاسمه إحداثُ معنى بالكلام لم يكن حادثًا من قبل في قصد المتكلم. وكلُّ ما تقدم من الأحكام في الأبواب الماضية يجري في الخبر والإنشاء، فلا