ومثالُ العطف بلا:"اللهم حوالينا ولا علينا"(١)، فالواو زائدة، والمعنى لا تنزل المطر إلا حوالينا.
وأما طريقُ تعريف المسند، فاعلم أن التعريفَ الذي يفيد القصرَ هو التعريف بلام الجنس، فإذا عُرِّف المسندُ بها أفادَ قصرَ الجنس على المسند إليه نحو:"أنت الحبيب" قصر تحقيق، و"هو العدو" قصر ادعاء، و"الحزم سوء الظن بالناس" قصر قلب، {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)} [الكوثر: ٣] كذلك.
وأما توسيطُ ضمير الفصل فنحو:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[التوبة: ١٠٤]، ونحو:{كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}[المائدة: ١١٧]، و {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (٣٩)} [الكهف: ٣٩]. وضميرُ الفصل هو ضمير يتقدم على الخبر ونحوه، ولا يفيد أكثر مما أفادته النسبةُ لعدم الحاجة إليه في ربط.
وأعلم أن طريقَ النفي والاستثناء وإنما والعطف بلا وبل ولكن، متعَيِّنةٌ للقصر. وأما التقديم وتعريف المسند والفصل، فقد تكون للقصر وقد تكون لغيره، ولكن الغالب كونُها للقصر، فيُستدل عليه منها بمعونة القرائن في المقام الخطابي.
(١) عن أنس بن مالك قال: "أصابت الناسَ سَنَةٌ على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب في يوم جمعة، قام أعرابِيٌّ فقال: يا رسول، هلك المالُ وجاع العيال، فادع الله لنا. فرفع يديه، وما نرى في السماء قزعة، فوالذي نفسي بيده، ما وضعها حتى ثار السحابُ أمثالَ الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيتُ المطر يتحادر على لحيته - صلى الله عليه وسلم -، فمُطرنا يومنا ذلك، ومن الغد وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى. وقام ذلك الأعرابِيُّ، أو قال غيره، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: "اللهم حوالينا ولا علينا". فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينةُ مثل الجوبة، وسال الوادي قناة شهرًا، ولم يجئ أحدٌ من ناحية إلا حدَّث بالجود". صحيح البخاري، "كتاب الجمعة"، الحديث ٩٣٣، ص ١٥٠؛ صحيح مسلم، "كتاب صلاة الاستسقاء - باب الدعاء في الاستسقاء"، الحديث ٨٩٧، ص ٣٢٠. واللفظ للبخاري.