لقد كثرت الآثارُ المروية في المهدي، المتضمنةُ أنه يجيء في آخر الزمان، فيملأ الأرض عدلًا بعد أن ملئت جورًا. وربما خلا بعضُها عن ذكر وصف المهدي، ولكنه يذكر من صفاته ما يوافق الصفةَ التي ذُكرت في الأحاديث المذكورُ فيها وصفُ المهدي. وقد أسندها رواتُها إلى ثمانية عشر من الصحابة، وهم عثمان وعلي وطلحة وعبد الله بن مسعود وعائشة وأم سلمة وأم حبيبة وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وأبو أيوب وحذيفة وأبو أمامة وعمران بن حصين وثوبان مولى رسول الله وقرة بن إياس وعبد الله بن الحارث بأسانيد مختلفة. ورجال تلك الأسانيد على تفاوتها قسمان:
١ - قسم اختلف أئمةُ الحديث ونقد الرجال اختلافًا متكافئًا في تعديلهم وتجريحهم. وأسانيدهم هي أمثلُ أسانيد هذا الآثار، وتلك هي التي رواها الترمذي وأبو داود وابن ماجه ومجموعُها ثمانيةُ طرق سنذكرها.
٢ - وقسم يأبَى جمهورُ أهل النقد قبولَهم، وهم الذين انفردت بإخراج أحاديثهم في هذا الشأن المصنفاتُ المعروفة بالخلط بين الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، والتساهل في قبول الرواة، مثل معاجم الطبراني، ودلائل النبوة للبيهقي، وتاريخ ابن عساكر، وتاريخ الخطيب، ومستدرك الحاكم، وحلية أبي نعيم.
ونحن نقتصر هنا على أسانيد القسم الأول، فإنها أشبهُ ما رُويَ في هذا الشأن، ونترك بقيتها الكثيرة تجنبًا للتطويل. ومجموع أسانيد القسم الأول يرجع إلى ثمانية طرق:
الطريق الأول: روى الترمذي وأبو داود من طريق عاصم بن بهدلة عن زِرِّ بن حُبيش (١) إلى ابن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ لطوَّل
(١) هو أبو مريم زِرّ بن حُبَيش بن حباشة بن أوس الأسدي، الكوفي، تابعي جليل، أدرك الجاهلية والإسلام، ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -. كان فاضلًا عابدًا، ثقة ثبتًا، كثير الحديث، عالِمًا بالقرآن. حدّث عن =