للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرِّقة، ووصف مجالس أنسهم، فكان له العذرُ فيما التزمه من السَّجع والصَّنْعة. على أنهم لو كانوا أجادُوا جودتَه، لكان في الأمر بعضُ السُّلو، ولكنهم أهملوا هذا وأهملوا الترجمة، فلا تأخذ منها إلا تحلياتٍ اللهُ أعلمُ بمطابقتها للواقع، وتكاد أن ترى المترجَمَ لهم متماثلين فيها.

وإنَّك لَتَنْظُرُ إلى مُنْشآت ابنِ الخطيب رحمه الله، فتراها - على عُلُوِّ كَعْبِها - قد اشتملت على شيءٍ من السماجة الحاصلة من الإطناب والإسهاب في كلِّ غرض. وكذلك تجد مثلَ ذلك في التقاليد التي أنشأها الكاتب الحسين بن أبي نماء كاتب الخليفة الناصر العباسي في أواخر القرن السادس (٥٧٥ - ٦٢٢ هـ)، فلا يكاد يصل المطالعُ إلى المقصودِ من التقليد إلا وقد أَسْأَمَهُ النظرُ وخسِئ منه البصر (١).

[السجع والترسل]

لما جرى الكلامُ على السَّجع والتَّرسُّل، وكان السَّجعُ من أشهر طرُقِ الإنشاء حتى ظنه كثيرٌ من الناس الإنشاء كله، وجب أن نُشير إلى حقيقته وشيءٍ من أقسامه، ومحامده ومعائبه، والمفاضلة بينه وبين التَّرسُّل. قال ابن الأثير في المثل السائر: "السَّجْعُ تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد". (٢) والأصلُ فيه "الاعتدال في مقاطع الكلام، ولكن لا يكمل السَّجْعُ إلا إذا كانت ألفاظُه غير غَثَّةٍ ولا باردة. والمعنيُّ بالغثة الباردة أن صاحبَها يصرف نظرَه إلى السجع من غير نظرٍ إلى المفردات وما يُشترطُ لها، وإلا لكان كلُّ أديب سجَّاعا. بل هناك مطلوبٌ آخر، وهو أن يكونَ اللفظُ فيه تابعًا للمعنى؛ فإنك إذا صورتَ في نفسك معنًى ثم أردتَ أن تصوغه بلفظٍ مسجوع ولم يواتك إلا بزيادةٍ في اللفظ أو نقصان منه، فإن فعلتَ


(١) الحسين بن علي بن أبي نماء توفي بعد الستمائة، وله تقاليدُ خطط، وكتائبُ نثرية مسجوعة، جمعها في ديوان سماه "روض البلاغة وغدرها"، وجمعها أيضًا بعض معاصريه في ديوان. - المصنف.
(٢) ابن الأثير: المثل السائر، ج ١، ص ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>