للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحاديث التناصح كثيرة بلغت مبلغ التواتر المعنوي. فعلينا بادئ ذي بدء أن نبين ماهية النصيحة، ثم نتطرق من ذلك إلى بيان مواقع النصيحة وبيان المنصوح به.

[ما هو النصح والنصيحة؟]

عرَّف بعضُ علمائنا النصح بأنه "عناية القلب للمنصوح له [من كان] ". (١) وعرفه آخر بأنه قيامُ الناصح بوجوه خير المنصوح إرادةً وفعلًا، (٢) أي: بالنية والعمل. والنصيحة تأتي بمعنى الكلام الدال على النصح، فليست نية الخير للغير نصيحة. وإنما ينبغي التنبيه على التفرقة بين النصح وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالنصحُ أعمُّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأخصُّ منه من وجه، فهما يتلاقيان في أحوال وصور كثيرة، وينفرد كلاهما في صور كثيرة أيضًا. فحقيقةُ النصح - كما علمتَ - إبلاغُ ما فيه خيرٌ للمنصوح، وإن لم يكن متلبِّسًا بفعلِ منكرٍ ولا بتركِ معروف، وكون الخير المنصوح به نافعًا للمنصوح وإن لم يكن من ضد المنكر.


= تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ١٤٠٤ هـ/ ١٩٨٤ م، ص ٢٢١. ابن رجب: جامع العلوم والحكم، ج ١، ص ٢١٦. ولم أجده في "حلية الأولياء" لأبي نعيم ولا في "المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم" له أيضًا. والطوسي هو أبو الحسن محمد بن أسلم بن سالم بن يزيد الخراساني، الكندي، مولاهم. ولد سنة ١٨٠ هـ تقريبًا، وتوفي سنة ٢٤٢ هـ. قال فيه أبو يعقوب المروزي وقد سئل عن رأيه فيه مقارنةً بأحمد بن حنبل وقد صحبهما جميعًا: "إذا ذكرتَ محمد بن أسلم في أربعة أشياء فلا تقرن معه أحدًا: البصر بالدين، واتباع أثر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا، وفصاحة لسانه بالقرآن، والنحو". الأصفهاني: حلية الأولياء، ج ٩، ص ٢٥١.
(١) ذكره المروزيُّ عن بعض أهل العلم، ولم يسمه. وما بين الحاصرتين لم يورده المصنف. كتاب تعظيم قدر الصلاة، ج ٢، ص ٦٩١.
(٢) كذا قال ابن الصلاح وتمام كلامه بلفظه: "النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادةً وفعلًا". الشهرزوري: صيانة صحيح مسلم، ص ٢٢٣. كما ذكره ابن رجب الحنبلي. جامع العلوم والحكم، ج ١، ص ٢٢٢. وقريبٌ منه ما فسر به الإمام الخطابي حيث قال: "النصيحة كلمة يُعبَّر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يُعبَّر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غيرها". البستي، أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي: معالم السنن، نشرة بعناية محمد راغب الطباخ (حلب: مطبعة محمد راغب الطباخ العلمية، ط ١، ١٣٥٢/ ١٩٣٤)، ج ٤، ص ١٢٥ - ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>