للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالنصح يعم الدلالةَ على جلب ما فيه خيرٌ ونفعٌ راجع [للمنصوح]، (١) وإن لم يكن المنصوحُ متلبِّسًا بفعل منكر أو بترك معروف، فقد يكون الناس في ذهول عن اكتساب نفع أو فضل ديني ولم يكن إهماله ارتكابًا لمنكر ولا تركًا لمعروف، كما فعل السلفُ في بذل نفوسهم وأموالهم لتوسيع سلطان الإسلام بالفتوحات في الأرض مما زاد على الدفاع عن الحوزة.

واعلم أن ما في الحديث من قوله: "الدين النصيحة" هو تركيبٌ يفيد معنى الحصر لما فيه من تعريف ركنَيْ الإسناد: المسنَد إليه والمسنَد. فمعنى حصر الدين في النصيحة المبالغةُ في الاهتمام بمكانة النصيحة من الدين، بحيث جُعلت النصيحةُ هي عين الدين حتى كان إهمالُها إهمالَ الدين. على أن معنى النصيحة يتحقق في معظم أمور الدين، فإن حاصل العمل بأمور الدين في المعاملات بين المسلمين وفي خويصة المسلم لا يخلو من أن يكون نصحًا لله ولرسوله وللمسلمين ولنفس المسلم العامل بالدين، فإنه بعمله بأحكامه ينصح بذلك لنفسه.

فأما النصيحة لله ولكتابه ولرسوله التي تضمنها الحديث، فهي خارجة عن موضوعنا، وبيانُها تكفل به علماء الحديث. (٢) وإنما ينحصر موضوعُنا في النصيحة التي هي واجبُ المسلمين بعضهم لبعض، وهي المتعلقة بقوله في الحديث: "ولأئمة المسلمين وعامتهم". وأئمة المسلمين جمع إمام، والإمام من يُقتدى به ويُعمل على شاكلة عمله، فيشمل ولاة أمورهم من الأمراء، ويشمل من يقتدون به من علماء الشريعة. وهذان الصنفان هما المفسر به "أولي الأمر" من قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩].


(١) هذه اللفظة ليست في النص المنشور في "جوهر الإسلام"، والسياق يقتضيها.
(٢) انظر في ذلك مثلًا: المروزي: كتاب تعظيم قدر الصلاة، ج ٢، ص ٦٩١ - ٧١٥؛ النووي: صحيح مسلم بشرح النووي (القاهرة: المطبعة المصرية بالأزهر، ط ١، ١٣٤٧/ ١٩٢٩)، ج ٢، ص ٣٧ - ٤١؛ ابن رجب: جامع العلوم والحكم، ج ١، ص ٢١٩ - ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>