للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تألفت اللغة؛ لأن المعاني غيرُ متناهية والألفاظ متناهية، فيلزم الاشتراكُ ليمكن توزيعُ الألفاظ على المعاني.

[الأسباب التي قضت بوقوع المشترك في اللغة]

لقد يخطر بالبال بادئ الرأي أن وقوعَ المشترك في لغة واحدة خللٌ في الوضع؛ لأنه ينافِي قصدَ الواضع من وضع اللغة كما قدمته. فلذلك احتاج القائلون بوقوع المشترك إلى أن يعتذروا للواضع، فقال فريقٌ منهم: يجوز أن يكون المشترك من وضع واضعَيْن لم يطلع أحدُهما على وضع الآخر على سبيل توارد الخواطر. وقال قوم: يجوز أن يكون الواضعُ الواحد يضع اللفظَ لمعنى وينقله الناسُ عنه، ثم ينسى أنه وضعه فيضعه ثانيًا لمعنى آخر.

وأظنُّ أن عبَّادًا الصيمري (١) - الذي قال بأن الألفاظ وُضِعتْ لمعانِيَ بمناسبة


= "هذا كتاب ذكر الحروف التي توقعها العربُ على المعاني المتضادة، فيكون الحرف منها مؤديًا عن معنيين مختلفين، ويظن أهلُ البدع والزَّيغ والإزراء بالعرب أن ذلك كان منهم لنُقصان حكمتهم، وقلة بلاغتهم، وكثرة الالتباس في محاوراتهم". الأنباري: كتاب الأضداد، ص ١.
(١) هو أبو سهل عباد بن سليمان الصيمري، من شيوخ المعتزلة، كان من أصحاب هشام الفوطي ومن طبقة الجاحظ. وهو من أصحاب المقالات، وله ذكرٌ كثير في مواضع عديدة من "مقالات الإِسلاميين" لأبي الحسن الأشعري، شأنُه في ذلك شأن النَّظّام وأبي الهذيل العلاف وهشام الفوطي وغيرهم. وقد وسم الأشعريُّ موافقيه في الرأي باسم "العبادية" و "أصحاب عباد بن سليمان". وكذلك يتوارد ذكرُ الصيمري كثيرًا في كتب الأصول عند البحث في أصل اللغات. ترجم له ابنُ المرتضى ترجمة قصيرة جدًّا، فقال: "ومنها (أي الطبقة السابعة) عباد بن سليمان، وله كتب معروفة، وبلغ مبلغًا عظيمًا، وكان من أصحاب هشام الفوطي. وله كتاب يسمى الأبواب، نقضه أبو هاشم (يعني الجبائي) ". المرتضى، أحمد بن يحيى: باب ذكر المعتزلة من كتاب المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل، نشرة بعناية توما أرنلد (حيدرآباد الدكن: مطبعة دائرة المعارف النظامية، ١٣١٦)، ص ٤٤. وقال البغدادي: (وقد جاء اسم والده عنده سلمان بدل سليمان): "كان أبو علي الجبائي يصفه بالحذق في الكلام". من تصانيفه "إنكار أن يخلق الناسُ أفعالهم"، و"تثبيت دلالة الأعراض"، و"إثبات الجزء الذي لا يتجزأ". الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت: =

<<  <  ج: ص:  >  >>