الضعف والخناعة عندما يحرمون شهواتهم ولذاتهم، فالواجب عليهم في هذا المقام التدبر والاستهداء بأهل العلم ليفهموا غاية هذا المعنى، وأرى أن معظم الصحابة لم يكن يخفى عنه ما في إعراض الرسول عن الاهتمام بالطعام من الحكم، ولولا ذلك لما قصرت كثرتهم ووفرة أموالهم عن إمداد بيت رسول الله بخيرات أموالهم، ولم ينقل إلينا أن ذلك كان يحصل منهم إنما كانوا يهدون إليه طرفًا من باكورة الثمار أو من عسل ونحوه في مناسبات قليلة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعوته إلى الطعام، كما ورد في حديث أبي شعيب الأنصاري إذ دعا رسول الله في خمسة من أصحابه فجاءه رسول الله بعدد كثير، وبارك الله في الطعام فكانت معجزة.
[تنافس آل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الاقتداء به]
كان آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أشد الناس حرصًا على الاقتداء به في الكمال، وأشدُّ الناس قربًا إليه أشدهم اقتداءً به. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحمل أقرب الناس إليه على ذلك، ففي البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بيت فاطمة ابنته فلم يدخل فجاء علي فذكرت فاطمة ذلك له فذكره علي للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:"إني رأيت على بابها سترًا موشيًّا فقلت ما لي وللدنيا"، فأخبر علي فاطمة فقالت ليأمرني فيه بما شاء، فقال الرسول:"ترسل به إلى فلان أهل بيت بهم حاجة"، (١) فكرهه لابنته ولم يكرهه للذين أرسل إليهم. وفي البخاري وغيره عن علي أن فاطمة رضي الله عنها بلغها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي برقيق، فجاءته تشكو ما تلقى في يدها من الرحى وتسأله خادمًا من ذلك الرقيق الذي أُتي به إليه فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء رسول الله أخبرته، قال علي: فجاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذنا مضاجعنا فقال: "ألا أدلكما على خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما فكبرا ثلاثًا وثلاثين وسبحا ثلاثًا وثلاثين
(١) صحيح البخاري، "كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها"، الحديث ٢٦١٣، ص ٤٢٣.