للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلدهم بعث معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير الداري ليقرئهم القرآن ويعلمهم شرائع الإسلام. وفي الموسم المقبل سنة اثنتي عشرة من البعثة آمن من الأوس والخزرج ثلاثةٌ وسبعون رجلًا وامرأتان، وبايعوا رسولَ الله عند العقبة من منى على أن يمنعوه بما يمنعون به أبناءهم ونساءهم. وجعل عليهم اثني عشر نقيبًا يكونون على قومهم بالمدينة، وأمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة.

[الهجرة]

ولمَّا حلَّ شهرُ ربيع الأول من سنة ثلاث عشرة من البعثة أذن الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة من مكة إلى المدينة، وأخبر أبا بكر بذلك فرغب في صحبته. ووجها راحلتيهما مع عامر بن فهيرة وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، وخرجا في فحمة العشاء من ليلة الجمعة من شهر صفر راجلين، ووصلَا غارَ ثور عند الفجر فباتا فيه ثلاث ليال. وخرجا من صبح ثالثة - وهو صبح يوم الاثنين غرة ربيع الأول - قاصدين المدينة، (١) وقد أردف أبو بكر عامرَ بن فهيرة مولاه على راحلته ودليلهما عبد الله بن أرقط - ويقال: أريقط - الدئلي من المشركين، وكان هاديًا خرّيتًا، أي: عارفًا بالمسالك، فسلك جهم طريقَ السواحل ما بين عسفان وملل، ولم يسلك بهم الطريقَ المعتاد سلوكها بين مكة والمدينة، وهو طريق ثنية الوداع.

ولمَّا علمت قريش بخروج الرسول - صلى الله عليه وسلم - حمى غيظهم، وعلموا أنه أفلت من بغيهم، وأنه سيكون في منعة منهم. في صحيح البخاري عن سُراقة بن [مالك] بن جُعْشُم المدلجي قال: "جاءنا رسلُ كفار قريش يجعلون في رسول الله وأبي بكر ديةَ كل واحد منهما لمن قتله أو أسره. فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي إذ أقبل رجلٌ منهم حتى وقف علينا فقال: يا سراقة، إني قد رأيت آنفًا أَسْودَةً بالساحل أراها محمدًا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم هم، ورجوتُ أن ألحقهم فآتي بهما. قال:


(١) السهيلي: الروض الأنف، ج ٢، ص ٣٣٠؛ ابن كثير: البداية والنهاية، ج ٣، ص ٣٧٣ و ٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>