للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد مناف. ثم سعى هشام هذا إلى زهير بن أبي أمية المخزومي - وهو ابن عاتكة عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: أقد رضيت لأخوالك ما قد علمت؟ أما أنهم لو كانوا أخوال أبي الحكم - يعني أبا جهل - ما كان يرضى لهم بذلك! فاستجاشَ لذلك زهيرًا والمطعم بن عدي وأبا البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب، ودبَّروا أن ينقضوا الصحيفة، فلما أصبحوا دخل زهير المسجد الحرام فقال: "يا أهلَ مكة أنأكل الطعام ونلبس اللباس وبنو هاشم هلكى لا يباع لهم ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تُشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة"، فظاهره على ما قال بقية الخمسة، فقال أبو جهل: "هذا أمرٌ قُضي بليل"، وقام المطعم بن عدي ليمزق الصحيفة فوجدها قد أفنتها الأرضة (١) عدا السطر الذي هو "باسمك اللهم". (٢)

وبعد خروج بني هاشم من الشعب بثمانية وعشرين يومًا توفِّيَ أبو طالب، وبعد موته بثلاثة أيام تُوفيت خديجةُ رضي الله عنها، وذلك في شهر رمضان سنة تسع من البعثة أو سنة عشر. وفي شوال من تلك السنة خرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام، ويطلب منهم النصرةَ والمنعة من كفار قومه، فلم يجد عندهم خيرًا. ولما جاءت قبائلُ العرب في موسم الحج، عرض عليهم نفسَه، ودعاهم إلى الإسلام وأن يصدقوه ويمنعوه حتى يبلغ ما بعثه الله له، وأن يخرج مع القبيلة التي تستجيب له، فلم يجد عندهم خيرًا وردوا عليه بجفاء إلا بعض بني شيبان، قالوا: سننظر في أمرنا بعد أن نرجع من الحج، فعل ذلك في موسمين أو ثلاثة.

فلما كان الموسمُ في سنة عشر من البعثة لقيَ رسولُ الله عند العقبة ستةَ نفر من الخزرج، فعرض عليهم الإسلامَ فقبلوا وأسلموا. ولما رجعوا إلى يثرب ذكروا لقومهم هذا الأمر، ودعوهم إلى الإسلام ففشا فيهم. وفي العام المقبل وافى موسمَ الحج اثنا عشر رجلًا من الأوس والخزرج فأسلموا، ولما أرادوا الانصرافَ إلى


(١) الأرضة بفتح الهمزة وفتح الراء دودة بيضاء تشبه النملة تنخر الخشب وغيره. - المصنف.
(٢) ابن هشام: السيرة النبوية، ج ١/ ٢، ص ١٢ - ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>