للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقول: قد عد أئمةُ الأصول من مرجِّحات بعض الأحاديث على بعض أن يكون أحدُ الحديثين أحسنَ نسقًا، قالوا: لأن حسن النسق أنسبُ للفظ النبوة، فإن رسول الله أفصحُ العرب، فإضافةُ الأفصح إليه أنسبُ من ضده. (١)

الأول: قوله "فجعل ذلك النورَ يدور بالقدرة"، وهو حشو من الكلام. وهل تتحرك الأشياء كلها إلا بالقدرة؟ [الثاني: قوله] "ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا. . . ولا. . ." إلخ، وهو تطويل ثقيل ننزه البلاغة النبوية عنه، ويغني عنه أن يقال: "ولم يكن في ذلك الوقت شيء مخلوق".

وجابر بن عبد الله لم يكن من الأغبياء حتى يُطوَّلَ له، لما به من خاصة أصحاب رسول الله وأهل العلم منهم، وهو ممن روى عن رسول الله علمًا كثيرًا، وأخذ عنه خلقٌ كثير.

[نقده من جهة المعنى]

الوجه الأول: قال علماء أصول الحديث وأصول الفقه إن كلَّ خبر أَوْهمَ معنىً باطلًا، ولم يقبل التأويل، فهو مكذوب. وتقدم أن ابن الصلاح قال: "قد وُضعت أحاديث طويلة تشهد بوضعها ركاكةُ ألفاظها ومعانيها".

وهذا الحديث قد جمع طولَ اللفظ وركاكةَ المعنى مع قلة الجدوى. وعادةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث في ذكر أمور الغيب الاختصارُ على محل العبرة وما يجب


= ركاكةُ ألفاظها ومعانيها". الشهرزوري، أبو عمر عثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح: علوم الحديث، ص ٩٩.
(١) واضحٌ أن في الكلام سقطًا عند هذا الموضع، لعله يتضمن تمهيدًا أو ذكرًا لمظاهر الركاكة في الحديث موضوع البحث. وبَيِّنٌ كذلك أن هناك سقطًا آخر بعد الفقرة التالية بدءًا من قوله: "الأول" حتى قوله: "خلق كثير"، إذ لم يتمَّ تفريعُ الكلام ببيان الوجه أو المظهر الثاني على الأقل لركاكة الحديث. ولعل الله يهيئ لنا الفرصةَ لتدارك هذا النقص في طبعة أخرى بفضل ناصح من ذرية المصنف أو تلاميذه يمد لنا يد العون.

<<  <  ج: ص:  >  >>