للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى التجديد]

تجديد الشيء هو إرجاعه إلى حالة الجدة، أي الحالة الأولى التي كان الشيء عليها في استقامته وقوة أمره. وذلك أن الشيء يوصف بالجديد إذا كان متماسكةً أجزاؤه، واضحًا رَواؤه، (١) مترقرقًا ماؤه. ويقابل الجديدَ الرثيثُ، والرثاثةُ انحلالُ أجزاء الشيء، وإشرافُه على الاضمحلال. ولقد أفصح عن معنى الجدة والرثاثة قولُ الشاعر:

قَدْ كَانَ رَثَّ هَوَايَ فَابْـ ... ـتَسَمَتْ فَرَدَّتْهُ جَدِيدَا (٢)

فهذا الدين قد أظهره الله تعالى ونصره؛ فتكامل أمرُه حين قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣]. فكان في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينًا واضحًا بيِّنًا قويًّا، لا يتطرقه تضليل، ولا يحول دون نفوذه قويٌّ ولا ضئيل. وذلك الكمال في أمور: أولُها: العمل به، وتحقيق مقاصده. الثاني: نصره وإقامته. الثالث: انتشاره، وزيادته، وتسهيل بثِّه. الرابع: حراسته، وحفظه من تدخل الضلالات. الخامس: دفع نائبة حلت بالإسلام إذا استمرت أفضت إلى طمس معالم الدين، أو إفساد الإيمان، أو ذهاب سلطانه.

وقد تمتد إليه يدُ الرثاثة من إحدى نواحي جِدَّتِه، فهو لا يرثُّ من جميع نواحيه؛ لأن الله قد ضَمِنَ حفظَه. ولكنه قد تتسرب إليه أسبابُ الرثاثة من إحدى


(١) الرَّواء: الماء العذب، أو الكثير المُروي.
(٢) البيت لمهيار الديلمي (٣٦٠/ ٩٧٠ - ٤٢٨/ ١٠٣٦)، من مقطوعة غزلية من خمسة أبيات، يقول فيها:
بِالْخَيفِ مُخْطَفَةُ الْحَشَا ... تَهْوَى الْغُصُونُ لَهَا الْقُدَودَا
أَخَذَ الْغَزَالُ نِفَارَهَا ... وَأَعَارَهَا عَيْنًا وَجِيدَا
أَلِفَتْ مِطَالَ عِدَاتِهَا ... يَا لَيْتَهَا تَعِدُ الصُّدُودَا
نَثَرَتْ مَدَامِعِيَ الْفَرِيـ ... ـدَ لِنَظْمِ مَضْحَكِهَا الْفَرِيدَا
قَدْ كَانَ رَثَّ هَوَايَ فَابْـ ... ـتَسَمَتْ فَرَدَّتْهُ جَدِيدَا
ديوان مهيار الديلمي، تحقيق أحمد نسيم (القاهرة: دار الكتب المصرية، ط ١، ١٣٤٥/ ١٩٢٦)، ج ١، ص ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>