للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عطف أحد المترادفين على الآخر]

من غرائب استعمال العرب في المترادف عطفُهم أحدَ المترادفين على الآخر بالواو، لقصد التأكيد. وكان أصلُ العطف في العربية أن يدل على مغايَرةِ المعطوف للمعطوف عليه، لأن الواو حرفٌ يفيد مطلقَ تشريك المعطوف للمعطوف عليه في الحكم. وقصدُ التشريك يقتضي شيئين يشتركان في شيء، فالشيءُ الواحد لا يشارك نفسه وإن تعددت ألفاظُه. فإذا جاز تعقيبُ اللفظ بمرادفه للتوكيد، لم يجز اقترانُ ذلك بحرف التشريك، وكأن العربَ قصدوا من عطفَ أحد المترادفين اقترانَ ذلك بحرف التشريك.

وكأن العربَ قصدوا من عطف أحد المترادفين المبالغةَ في التأكيد بإيهام السامع أنه يُلقَى إليه خبرٌ آخر، حتى إذا وجده عينَ الأول استقرَّ في ذهنه أشدَّ استقرار، وتمكن منه أكملَ تمكن.

وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦]، وقوله: {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [التوبة: ٧٨] وقوله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨] وقوله: {لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨)} [المدثر: ٢٨] وقوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٥٧].

قال طرفة بن العبد:

فَمَالِي أُرَانِي وَابنَ عَمِّي مَالِكًا ... مَتَى أَدْنُ مِنْهُ يَنْأَ عَنِّي وَيَبْعَدِ؟ (١)

وقال الحطيئة:


(١) البيت من المعقلة. ديوان طرفة بن العبد، ص ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>