للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا بد أن يكون ذلك مرادَ ابن الأثير في كتابه "الجامع الكبير" إذ قال: "يجب على المبتدئ في هذا الفنِّ [والمترشِّح له إذا آتاه الله طبعًا مُجيبًا، وقريحة مواتية، وكان مستكملًا لمعرفة ما يجب على المؤلِّف معرفتُه مما أشرنا إليه في صدر هذا الكتاب]، أن يأخذ رسالةً من الرسائل، أو قصيدةً من الشعر، يقف على معانيها، ويتدبر أوائلَها وأواخرها، ويقرر ذلك في قلبه، ثم يكلف نفسَه عملَ مثلِها مما هو في معناها، ويأخذ تلك الألفاظَ [التي فيها] ويقيم عوض كل لفظة منها لفظةً من عنده تسد مسدَّها (١)، [وتؤدي المعنى المندرج تحتها] ". (٢)

والنظرُ في تعيين هاته المواضيع لمدرِّس فن الإنشاء.

[تعريف المعنى وتقسيمه]

عرَّف السد الجرجاني المعنى "بأنه الصورةُ الذهنية من حيثُ تُقصَد من اللفظ فهمًا أو إفهامًا" (٣)، وفوائد القيود ظاهرة. ثم أن المعنى ينقسم إلى بسيط ومكيَّف (٤): فالبسيط هو الخالي عن التحسين ويسمى الخاطر، سواء كان مشهورًا نحو العلم النافع، أم كان عزيزًا نحو "الصمت حكمة"، و"الجِدَةُ عونٌ على المروءة" (٥). والمُكيَّف هو الذي زِيدَ فيه تنميقٌ من خصوصياتِ الكلام لإفادةِ محاسنَ للمعنى


(١) سيأتي أن هذه الطريقة نافعة في الارتياض والتمرن وما حكي عن القاضي الفاضل هنالك. - المصنف.
(٢) ابن الأثير: الجامع الكبير، ص ١٤٧. وما بين الحاصرتين من كلام ابن الأثير ولم يورده المصنف.
(٣) ساق المصنفُ كلامَ الجرجاني بالمعنى لا باللفظ مع اختصار، ونصه: "المعاني هي الصور الذهنية من حيث إنه وضع بإزائها الألفاظ. والصورة الحاصلة في العقل من حيث إنها تقصد باللفظ سميت معنى، ومن حيث إنها تحصل من اللفظ في العقل سميت مفهوما". الجرجاني، علي بن محمد الشريف: كتاب التعريفات، تحقيق وزيادة محمد عبد الرحمن المرعشلي (بيروت: دار النفائس، ط ١، ١٤٢٤/ ٢٠٠٣)، ص ٣٠٧.
(٤) لم أقف على هذا التقسيم للمعنى فيما اطلعت عليه من كتب الأقدمين، وربما يكون المقصود بالمعنى المكيف المعنى المركب؛ إذ جعله في قبالة المعنى البسيط، على أن شرح المصنف له بيِّنُ المقصود.
(٥) الجِدَةُ: المال، أو الغنى واليسار. ويُنسب إلى لبيد بن عُطارد التميمي في قصة حكاها ابن عساكر أنه قال: "نعم العونُ عَلَى المروءة الجِدَةُ". تاريخ دمشق، ج ٥٠، ص ٢٩٢. ولبيد بن عطارد من وجوه بني تميم، وكان في وفدهم الذين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسلموا سنة تسع للهجرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>