وليس يكفي للوصف بالمجدد أن يكون بالغًا حدًّا قاصيًا في الزهد أو في الصلاح أو في التقوى، ولا بالغًا الغايةَ في الفقه، ولا كائنًا من أهل القضاء بالعدل؛ لأن تلك صفاتٌ قاصرةٌ عليه. لذلك نرى عدَّ عمر بن عبد العزيز مجددَ القرن الثاني غيرَ متجه؛ إذ هو وإن كان بحق خليفةَ عدل، إلا أن الإسلام قبل زمانه لم ترهقه رثاثة. وليت الذين عدُّوا عمر بن عبد العزيز في المجددين عللوا ذلك بأنه الذي أمر بتدوين السنة، وفيه نظر. (١)
[التوسم في تعيين المجددين بحسب أدلة الحق المبين]
لقد قضيتُ حقَّ البيان في توقيت الزمن الذي نطق فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، وأوضحتُ أنه مما قاله رسول الله في آخر سني حياته المباركة. فقضى ذلك أن يكون ابتداء الحاجة إلى التجديد من وقت وفاة رسول الله؛ لأن مدة حياة رسول الله هي مدة أكمل أحوال نماء الدين:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}[الأنفال: ٣٣].
إن وفاة رسول الله أكبرُ نائبة أصابت المسلمين؛ فإن رسول الله هو مظهر الإسلام، وكان جميع أحواله نفعًا للإسلام. ولعل في قوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ}[آل عمران: ١٤٤] إيماءً إلى هذا المعنى، إذ قَصَرَهُ على صفة الرسالة، فكأنه لا صفةَ له إلا الرسالة. فوفاتُه بمنزلة رفع الإسلام من جذوره، وكأن الله أراد أن يُظْهِرَ بركةَ رسوله لَمحة، فيرى الناسُ كيف اضطرب أمرُهم بموته، حتى لا يكون انتقاله هينًا عليهم؛ لأن عواقب المصيبة تزيدها قوة، فكأن الإسلام قد ذهب مشيِّعًا روحَ الرسول، ثم عاد بعد التشييع.
(١) يشير المصنف هنا إلى ما كتب به عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: "انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبه، فإني خفت دروسَ العلم وذهابَ العلماء، ولا تقبل إلا حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم -. وَلْيُفشُوا العلم، ولْيجْلِسُوا، حتى يُعلَّم مَنْ لا يَعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا". صحيح البخاري، "كتاب العلم"، ص ٢٢.