" وصل إلي اليوم بحثكم الدقيق العميق في تحقيق "الصوت المجسد"، ونقلت مما ظفرت به من النسخة الصحيحة النفيسة من نسخ القاموس ما نصه: "وصوت مجسد كمعظم مرقوم على نغمات ومحنة". وبذلك حققتم وصححتم كلمة "مجسد"، ثم أخذتم في تحقيق كلمة "محنة" وقلبتموها على وجوهها التي تحتملها قراءاتها، وقد بدا لي أن أسألكم: ألا يمكن أن تقرأ "مِحَنَّة"، ومن معاني الحنين النزوع والصوت والطرب فيكون المعنى (مرقوم على نغمات وأطراب)؟
وقد رأيت أن أكتب إليكم هذا الخاطر، وأنتم أقدرُ على تحقيقه لما بأيديكم من النصوص، ومالكم من موالاة النظر فيها".
[جواب المصنف]
الجواب عنها: أن الوجه والمعنى اللذين ذكرتموهما يقتضيان أن تكون الميمُ التي في كلمة "محنة" حرفًا زائدًا، وأن تكون تلك الكلمة مصدرًا ميميًّا. وحينئذ فلا يصح ضبطُ الميم بالكسر؛ إذ ليس في المصادر الميمية ما هو بكسر الميم. فيتعين على ذلك التفسير أن تكون الميمُ مفتوحة، لكن يعكر على اعتبارها مفتوحةً أن الكلمة قد ضُبطت فيما ضبطت فيه من كتب اللغة بكسرة تحت الميم. ثم هو يقتضي أن يكون عطفُ الطرب على محنة عطفَ مرادف، وهو خلاف أصل العطف؛ لأن أصل العطف أن يكون لمغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، وذكر المرادف مع مرادفه من قبيل التوكيد اللفظي الذي لا يقترن بواو العطف.
فإن التزمنا كسر الميم تبعًا للضبط الواقع في المعاجم اللغوية، اضطرنا ذلك إلى جعل الكلمة بوزن مِفعلة بكسر الميم، فتتعين لأن تكون من أسماء الآلة، مثل مِزَجّة، فتفسر حينئذ بآلة الحنين إلى الطرب. وهذا المحمل لا يلتئم مع عبارة الخليل بن أحمد