للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو حرام يقول: أفتوني وأرشدوني. فإنه يلزم في مثل هذه الأمور أن لا يمنعوا الجوابَ عما سئلوا عنه من العلم. فمَنْ فعل ذلك، كان آثِمًا مستحقًّا للوعيد والعقوبة. وليس كذلك الأمر في نوافل العلم التي لا ضرورةَ بالناس إلى معرفتها". (١)

ومعناه أن كتمانَ العلم المسؤول عنه حرام إذا كان يترتب على السؤال عملٌ فيما يجب اعتقاده أو ما يجب التعبد به، أو في الإقدام على عمل من الأعمال المكلَّف بها السائل. وحاصلُ كلامه تخصيصُ العموم الواقع في لفظ "علم" بالحالة التي يترتب على عدمِ الإجابة فيها إقدامٌ على حرام، بناءً على أن التعليم إنما هو وسيلةٌ للعمل، فلا يكون حكمُه إلا موافقًا لحكم المتوسَّل إليه؛ لأن الوسيلة تعطَى حكمَ المقصد.

هذا دليلُ تخصيصه من جهة النظر، ويدل لهذا التخصيص أيضًا من الأثر روايةُ ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري: "مَنْ كتم علمًا مما ينفع الله بِهِ فِي أمر النَّاس، أمر الدين" إلخ.

[[مسائل في فقه الحديث]]

وقد عُرف من هذا كله أمورٌ أخرى:

١ - منها ما قال فخرُ الدين الرازي في تفسيره: "إظهار العلم فرض على الكفاية لا على التعيين؛ لأنه إذا أظهره البعضُ صار بحيث يتمكن كلُّ أحد من الوصول إليه، فلم يبق مكتومًا، وإذا خرج عن حد الكتمان لم يجب على البقية إظهارُه مرة أخرى". (٢) وقال ابن العربي في الأحكام: "إن كان هناك من يبلغ اكتُفِيَ به، وإن تعين عليه لزمه". (٣)


(١) الخطابي البستي، أبو سليمان حمد بن محمد: معالم السنن شرح سنن أبي داود، نشرة بعناية عبد السلام عبد الشافي محمد (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١١/ ١٩٩١)، ج ٢/ ٤، ص ١٧١.
(٢) الرازي: التفسير الكبير، ج ٢/ ٤، ص ١٤٨.
(٣) ابن العربي: أحكام القرآن، ج ١، ص ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>