للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحاصلُ كلام ابن العربي راجع إما إلى تقييد في العموم ببعض الشروط، وإما إلى تخصيص عموم السؤال أو عموم العلم.

وقال الخطابي في شرح هذا الحديث من تعليقه على سنن أبي داود: "هذا في العلم الذي يلزمه تعليمه إياه ويتعين فرضه، كمن رأى كافرًا يريد الإسلام يقول: علموني ما الإسلام وما الدين، وكمن يرى رجلًا حديث العهد بالإسلام لا يحسن الصلاة وقد حضر وقتها يقول: علمونِي كيف أصلي، وكمَنْ جاء مستفتِيًا في حلال


= الآية محمولةٌ على الرخصة، وعن ابن عباس عنهما أنه قال: ليس في آية المداينة نسخ، ثم قال: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}. وفي التأويل وجوه: الوجه الأول: قال القفال رحمه الله إنه تعالى أباح تركَ الكتابة والإشهاد والرهن عند اعتقاد كون المديون أمينًا، ثم كان من الجائز في هذا المديون أن يخلف هذا الظن، وأن يخرج خائنًا جاحدًا للحق. إلا أنه من الجائز أن يكون بعضُ الناس مطلعًا على أحوالهم، فههنا ندب الله تعالى ذلك الإنسان إلى أن يسعى في إحياء ذلك الحق، وأن يشهد لصاحب الحق بحقه، ومنعه من كتمان تلك الشهادة سواءً عرف صاحب الحق تلك الشهادة أو لم يعرف، وشدد فيه بأن جعله آثم القلب لو تركها. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر يدل على صحة هذا التأويل، وهو قوله: "خير الشهود من شهد قبل أن يُستَشْهَد". الوجه الثاني: في تأويل أن يكون المراد من كتمان الشهادة أن يُنكر العلمَ بتلك الواقعة. ونظيره قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: ١٤٠]، والمراد الجحود وإنكار العلم. الوجه الثالث: في كتمان الشهادة والامتناع من أدائها عند الحاجة إلى إقامتها، وقد تقدم ذلك في قوله: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢]، وذلك لأنه متى امتنع عن إقامة الشهادة فقد بطل حقه، وكان بهذا الامتناع من الشهادة كالمبطل لحقه، وحرمةُ مال المسلم كحرمة دمه، فهذا بالغ في الوعيد". الرازي: التفسير الكبير، ج ٤/ ٧، ص ١٠٦ - ١٠٧. وما أشار إليه الرازي من بيان لمعنى الآية ٢٨٢ من السورة فهو قوله: "في هذه الآية وجوه، الأول - وهو الأصح - أنه نهى الشاهدَ عن الامتناع عن أداء الشهادة عند احتياج صاحب الحق إليها. والثاني أن المراد تحملُ الشهادة على الإطلاق، وهو قولُ قتادة واختيار القفال، قال: كما أمر الكاتبَ أن لا يأبَى الكتابة، كذلك أمر الشاهدَ أن لا يأبَى عن تحمل الشهادة؛ لأن كل واحد منهما يتعلق بالآخر، وفي عدمهما ضياعُ الحقوق. الثالث أن المراد تحمل الشهادِة إذا لم يوجد غيره. الرابع - وهو قول الزجاج - أن المراد بمجموع الأمرين التحمل أولًا، والأداء ثانيًا". المرجع نفسه، ص ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>