نبتت قصةُ المهدي من عصف هشيم قصة الإمام المنتظر عند الشيعة، وأصلُ ذلك كله أن شيعة الهاشميين لَمَّا أخفقوا في دعوتهم بعد تنازل سيدنا الحسن ثم بعد مقتل سيدنا الحسين رضي الله عنهما، وبعد استتباب الأمر لبني أمية، وعلموا أن قوةَ العرب أصبحت مع بني أمية لأسباب جمة ليس هذا محلَّ بسطها، وأيِسُوا من نَوَال المقصود بالعصبية العربية، تفرقوا في البلاد على حنقٍ وغيظ، ودبروا لنجاح دعوتهم بالسعي إليها من ناحية التأثير الديني وبالسعي إلى تكوين عصبية عجمية.
وقد علموا أن المسلمين كلَّهم من عرب وعجم لم يزالوا بإيمان صحيح وتعلق بدينهم، وشأنُ أهل الدعوات السياسية أن يتوسَّلوا لترويج أعمالهم بين العامة بالوسائل الاعتقادية لعلمهم بأن عقول العامة تقصر عن إدراك الأدلة العقلية وعن توسم عواقب الأمور، ويتوسَّلوا تلقيَهم الأشياءَ المنسوبة إلى الدين بمزيد الاعتبار من دون تأمل ولا إقامة برهان، لثقتهم بأن ما يجيء في الدين هو أمر مقطوع بصدقه، سواء اطلعنا على دليله أم لم نطلع.
فأصحابُ الدعوة يسربون دعوتَهم للعموم من مسارب الاعتقاد الديني، وإنما تظهر مقدرةُ الدعاة في تمويه دعوتهم بطلاء الأمور الدينية حتى لا يشكَّ العمومُ في أن ما يدعونهم إليه هو من الدين، ولا حظَّ فيه لنفوس طالبيه. ويعززون ذلك بما يختلقونه منسوبًا إلى أَثَارة علم الأولين المنبئة بأن عاقبةَ الظفر والنجاح تكون لهم حتى يكونوا في سعيهم على قوة أقل من النجاح، (١) فيحصل لهم اليقينُ بأنهم قد نجحوا في العاجلة والآجلة.
وقد يجمع الدعاةُ في الصيغة الواحدة بين الأمرين، فينتحلون أخبارًا معزوة للرسول - صلى الله عليه وسلم - على أنها مما أخبر عنه الرسول من علم الغيب المقطوع بوقوعه،
(١) لم يتبين لنا وجهُ المراد في قوله: "حتى يكونوا في سعيهم على قوة أقل من النجاح"، وربما حصل تصحيفٌ في الكلام.