للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في عدم حصول الأغراض المطلوبة من وجود الإمام، وأن خوفه من الأعداء لا يوجب الاختفاءَ بحيث لا يوجد منه إلا الاسم. بل غايةُ الأمر أن يوجب اختفاءَ دعوى الإمامة، كما كان آباؤه الذين كانوا ظاهرين في الناس ولا يدعون الإمامة". (١)

المذهب الثاني مذهب القائلين بخروج المهدي آخرَ الزمان، من غير دعوى أنه موجود الآن، ولا أنه مختف. وهذا قد قال به بعضُ أهل السنة وبعض الصوفية استنادًا للآثار المروية دون تمحيص، وذلك مما لصق بهم من أقوال الرافضة والإمامية حين اختلط العلم. وليس اعتقادُهم ذلك بشيء عظيم إذ رضوه لأنفسهم؛ فإن اعتقادَ مجيئه واعتقاد عدم مجيئه سواء.

فإن قال قائل: يترتب على تحقيق أمره عملٌ إسلامي، وهو وجوب اتباعه عند ظهوره. قلت: لهذه النزعة اختلف المختلفون، وهم في غفلة يعمهون. فإن سمات الإمام الذي يجب اتباعُه لا يتوسمها المتوسمون بملامح وجهه ولا باسمه واسم أبيه، ولا بخفق أعلامه ولا بأفق ظهوره، فإن جميعَ ذلك يمكن تلبيسُه وادعاؤه باطلًا، كما وقع غيرَ مرة.

إن الله بين لعلماء الأمة أحكامَ الملة بالقواعد والشروط، فأغنى عن وضع الملامح والرموز. فإمامُ العدل الذي تجب طاعتُه والدخولُ في حزبه وأنصاره، هو الذي استكمل شروطَ الإمامة والقدرة على حماية البيضة في وقت الحاجة إلى ذلك، فتجتمع على أهليته الأمةُ ويأمن الناسُ أن تصيبهم من خروجه فتنة. فإن هو كان كما شرطت الشريعةُ البيضاء النقية، فهو في غِنًى عن الأخبار الملفقة والرموز الجبرية. وإلا فخير له أن يختبئ في جحره كالخنفساء في الشتاء، وأن يستزيد على ما أحضر له من عسل وماء، فلا يزال عاكفًا على مزج واحتساء إلى أن يفعل الله به ما يشاء. (٢)


(١) التفتازاني، سعد الدين: شرح العقائد النسفية، تحقيق أحمد حجازي السقا (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، ١٤٠٨/ ١٩٨٨)، ص ٩٨.
(٢) أشرت بهذا إلى الصورة التي يتخيلها القائلون باختفاء المهدي المنتظر، وسيأتي ذكرُها في شعر إسماعيل الحميري. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>