للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحقيق الخبر المأثور: "لا رهبانية في الإسلام" (١)

شاع بين المحاضرين وأصحاب الأقلام من أوائل هذا القرن إيرادُ الأثر القائل: "لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الإِسْلَام"، وتنزيلُه على أحوال تنزيلًا لا يلائمه، فسلكوا به مهيعًا هو في واد والآخر في واد. فكان واجبًا تحقيقُ لفظ هذا الأثر وبيان معناه، ليكون الناظرُ فيه على بصيرة. هذا الخبرُ جزءٌ من حديث مرسل، رواه عبد الرزاق في كتاب الجامع له بلفظ: "لا خُزام، ولا زِمام، ولا سياحة، ولا تبتُّل، ولا ترهُّب في الإسلام". (٢)

أخرج ذلك جلالُ الدين السيوطي في الجامع الصغير معزُوًّا إلى عبد الرزاق في كتابه الجامع، وقال إنه مرسل. (٣) ووصْفُه بأنه مُرسَلٌ يقتضي أنه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ الحديثُ المرسل هو الذي يقول راويه الذي ليس صحابيًّا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وروى هذا الأثرَ ابنُ الأثير في النهاية عن كتاب الغريبين للهروي مقتصرًا على لفظ "لا رهبانية في الإسلام"، ولم يسنده. فاحتمل أنه اختصر ما رواه


(١) جوهر الإسلام، العدد ٢، السنة ٢، شعبان ١٣٨٩/ أكتوبر ١٩٦٩ (ص ٣ - ٧).
(٢) الخزام بكسر الخاء شَعَر مفتول يصير كالعود في أنف البعير ليُقاد به، والزِّمام - بكسر الزاي - جعل زمام في الأنف يُقاد به، كان بعض بني إسرائيل يخرق أنفه ويعمل فيه زمامًا ليقاد به (أي إذلالًا لنفسه كأنه دابة). والسياحة الخروج إلى الفيافي للتعبد، والتبتل الانقطاع عن التزوج والترهب. والرهبانية هي التخلي عن أشغال الدنيا. - المصنف.
(٣) المناوي: فيض القدير، الحديث ٩٨٨٠، ج ٦، ص ٤٢٥. هذا ولم يزد المناوي شيئًا على ما قاله السيوطي.

<<  <  ج: ص:  >  >>