للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستعصم قد نجا مترددًا في أحياء العرب إلى أن وصل مصر سنة ٦٥٩ هـ وسلطان مصر يومئذ الظاهر بيبرس، فبادر الظاهر إلى مبايعة أحمد بالخلافة، وحاول أن يخضد به شوكةَ التتر فسيره بجيش إلى بغداد، فلما جهزه بجيشه تلقاه جيش هولاكو في موضع يقال له غانة فقتل هنالك.

[[المائة العاشرة]]

ثم ظهر بعد مدة غير طويلة رجلٌ من عقب المسترشد العباسي، وهو أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن المسترشد. وقدم إلى مصر فسُرَّ به الملكُ الظاهر، وبايع له بالخلافة ولقَّبه بالحاكم، وفوض إليه أمورَ العامة والخاصة، كما فوض هو للملك الظاهر عُهدةَ البلاد. فبقي هو وعقِبُه بمصر يدعَى لهم في الخطب، وتُكتب أسماؤهم في السكة، ويُتبرك بأسمائهم على أنهم حفظةُ سياج الدين. وكان ملوكُ الإسلام يكتبون إلى الخليفة بمصر يستمنحون منه التقليدَ بالولاية، فكان ذلك مبلغَ الخليفة من الخلافة، فكان مقامُ الخلافة في هذه المدة مقامًا صوريًا.

ولمَّا ظهر شبابُ دولة آل عثمان وفتحوا القسطنطينية، أصبحوا أعظمَ سلاطين الإسلام، وصار سلطان القسطنطينية أجدرَ ملوك الإسلام بأن يكون ولِيَّ أمر عموم المسلمين حقًّا. ولمَّا بويع السلطانُ سليم ابن السلطان بايزيد الثاني سنة ٩١٨ هـ ضم إلى مملكته بلادَ الأكراد، والعراق، والشام، ومصر، والحجاز. وحين دخل مصر، كان الخليفة بها يومئذ محمدًا المتوكل على الله العباسي، فرأى من الخرق استمرارَ ادعاء الخلافة لنفسه حين ذهبت حقيقتُها ثم ذهبت صورتها، فتنازل للسلطان سليم قائلًا لسان حاله: "بيدي لا بيد عمرو"، (١) وأحضر بين يدي السلطان شعارَ الخلافة


(١) هذا كلامٌ أطلقته الزبَاء أو زنوبيا ملكة تدمر وسوريا التي تمردت على حكم الرومان، قالته حين خدعها عدوها عمرو بن عدي الذي خدعها بعرض الصلح، وأرفق مع هذا العرض الكثير من الهدايا جاءت محملة على الجمال. فلما دخلت الجمال المدينة، لاحظت زنوبيا أنها كانت تمشي ببطء شديد، فتساءلت: ما للجِمالِ مشيها وئيدا؟ وكان الأمر في حقيقته خدعة، حيث إن الجمال كانت =

<<  <  ج: ص:  >  >>