للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيجعله مَجْعَلَ مال الله، فجعل بذلك رسول الله حياته ثم التفت إلى النفر الحاضرين فقال: أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم"، إلخ. (١)

فلو كان القصد في عيش رسول الله عن خصاصة أو حاجة، لكان قد عاش أربم سنين من بقية عمره في سعة ورفاهية عيش؛ إذ ما كان يعوزه من ذلك شيء، وقد رأيت أن عمر بن الخطاب قال: "فكان رسولُ الله ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته"، فسمى ذلك التمر والشعير نفقة رسول الله لسنته؛ لأن ذلك عيشه المعروف.

[توجع بعض السلف عند ذكر ذلك]

أما توجع بعضِ السلف لذلك وكمده عند ذكراه، فهو واردٌ على أنحاء. منها أن بعضهم قد ينفعل بمشاهدة حالة اعتادت النفوسُ أن تتأثر لمثلها، فيسبق من نفسه ذلك الانفعال المعتاد إذ يريد التحقق في معرفة حكمته ثم يزول ذلك بالتذكير أو بالتذكر، ويكون ذلك سببًا لإدراكه حقيقة الكمال بإرشاد الرسول أو بتفطن نفوسهم للغاية السامية ما يزيد نفوسهم ارتقاءً في المعارف. ونحو هذا ما ورد في الصحيح عن عمر بن الخطاب في حديث الإيلاء وكيف دخل عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرسول في مشربة وهو مضطجع على سرير مرمل قد أثر رُمال السرير (٢) في جنبه، قال عمر: فقلت يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم وسع عليهم وأُعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أوَفِي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا"". (٣)


(١) انظر تمام الحديث في: صحيح البخاري، "كتاب فرض الخمس"، الحديث ٣٠٩٤، ص ٥١٢؛ صحيح مسلم، "كتاب الجهاد والسير"، الحديث ١٧٥٧/ ٤٩، ص ٦٩٧.
(٢) المرمل: المنسوج من السعف بزينة لعل بعض نسجه كان ناتئًا على بعض، والرمال - بضم الراء - ما رمل، أي نسج على ترميل.
(٣) صحيح البخاري، "كتاب المظالم"، الحديث ٢٤٦٨، ص ٣٩٨ - ٣٩٩؛ صحيح مسلم، "كتاب الطلاق"، الحديث ١٤٧٩/ ٣٤، ص ٥٦٥ - ٥٦٦؛ سنن الترمذي، "كتاب تفسير القرآن"، الحديث ٣٣١٨، ص ٧٦٤ - ٧٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>