للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - فَمَنْ رأى تلك الزيادةَ فضولًا وعبثًا، جزم بوجوب تنزيه اللغة العربية عن اللفظ المترادف؛ لأنه لا يتناسب وما عُرفت به اللغةُ العربية من إتقان الوضع.

٢ - ومَنْ رأى تلك الزيادةَ غيرَ خاليةٍ عن فائدة، جزم بوقوع الترادف.

وقد اتفق الفريقان على أننا نجد في الكلام المستعمل ما يلوح منه ببادئ الرأي أنه مترادف. وإنما اختلفوا في الأخذ بها يلوح بادئ الرأي حتى نجزمَ بوقوع المترادف، أو في لزوم اعتبار التفرقة بين الألفاظ التي يلوح ترادفُها حتى نتعمق في البحث عن التفرقة بينها.

[معنى الوضع]

وإذ قد كان نصبَ أعين الفريقين اعتبارُ حكمة الوضع اللغوي، فعلينا أن ننبه الباحثَ في هذا الغرض إلى حقيقة وضع اللغة العربية حتى يكون رأيُه فيصلًا بين الفريقين عقب حكاية خلافهما. وقد تعين أن أُحَرِّرَ القولَ في هذا الغرض؛ لأنه ملاكُ صواب الفهم في هذا المبحث، وهو أيضًا عونٌ على إدراك كثير من أسرار العربية عند عروض النظر فيها.

إن معظمَ الذاكرين لفظ "وضع" و"واضع" يسبق إلى أذهانهم عند ذلك ما يُوهمه لفظُ "الوضع" من وجود فردٍ أو طائفةٍ أخذت على نفسها تعيينَ الألفاظ للدلالة على الأشياء. وهذا الرأيُ مِنْ رأْيِ مَنْ رأى أن اللغاتِ اصطلاحية. وغلا بعضُهم فزعم أن الذي تولَّى هذا العملَ الحكيمَ هو الله سبحانه وتعالَى، وهذا رأيُ مَنْ زعم أن اللغات توقيفية (١).

وكلا القولين ليس بسداد؛ لأننا لسنا نبحث عن وضع اللغة الأُولَى للبشر، وإنَّما نبحث عن لغةِ أمةٍ من أمم البشر تتميز عن غيرها من لغات الأمم بكلماتها وتراكيبها. ومع ذلك نجد أكثرَ اللغويين والأدباء، إذا بسطوا القولَ في شرف اللغة


(١) انظر بحثًا وافيًا وتحليلًا عميقًا للآراء المختلفة في أصل اللغة (من توقيف إلهي ومواضعة اجتماعية ومحاكاة للطبيعة) في: المسدي: التفكير اللساني في الحضارة العربية، ص ٦٧ - ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>