للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قول عياض]

قد اهتم - أعني عياضًا في "الشفا" - برد واحد وعشرين دليلًا تمسك بها الذين جوَّزُوا صدورَ الصغائر من الأنبياء بعد النبوة - الباقلاني ومَنْ وافقوه. (١) وقد رد التفتازاني في المقاصد من تلك الأدلة اثني عشر دليلًا، (٢) ويظهر أنه لم يطلع على كلام عياض في "الشفا". ثم قال عياض بعد أن رد تلك الأدلة:

"أجمع المسلمون على عصمة الأنبياء عن الفواحش والكبائر والموبقات. ومستَنَدُ الجمهور في ذلك الإجماع الذي ذكرناه، وهو مذهب القاضي أبي بكر. ومنعها غيره بدليل العقل مع الإجماع، وهو قول الكافة. واختاره الأستاذ أبو إسحاق [الإسفراييني]. وكذلك لا خلافَ أنهم معصومون من كتمان الرسالة والتقصير في التبليغ؛ لأن كلَّ ذلك يقتضي العصمةَ منه المعجزةُ مع الإجماع على ذلك من الكافة. والجمهور قائلٌ بأنهم معصومون من قبل الله معتصمون باختيارهم وكسبهم. . . وأما الصغائرُ فجوزها جماعةٌ من السلف وغيرهم على الأنبياء، وهو مذهب أبي جعفر الطبري وغيره، من الفقهاء والمحدثين والمتكلِّمين. . . وذهبت طائفةٌ أخرى إلى الوقف، وقالوا: العقل لا يحيل وقوعَها منهم، ولم يأت في الشرع قاطعٌ بأحد الوجهين. وذهبت طائفةٌ من المحققين من الفقهاء والمتكلمين إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر: قالوا لاختلاف الناس في الصغائر وتعيينها من الكبائر وإشكال ذلك، وقول ابن عباس وغيره: إن كل ما عُصي الله - عز وجل - به فهو كبيرة. . . قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: لا يمكن أن يقال: إن في معاصي الله صغيرةً إلا على معنى أنها تُغتفر باجتناب الكبائر. . . وقد استدل بعضُ الأئمة


= والوثائق القومية، ط ٢، ١٤٢٤/ ٢٠٠٤)، ج ٤، ص ١٤٣ - ٢١٣. ولأبي بكر ابن العربي تقرير وتفصيل مفيد في المسألة ينظر في: ابن العربي: المسالك، ج ٢، ص ٤٠٩ - ٤١٣.
(١) انظر في ذلك: الشفا، ص ٣٣١ - ٣٣٩.
(٢) التفتازاني: شرح المقاصد، ج ٣، ص ٣١١ - ٣١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>