للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يونس: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)} [الأنبياء: ٨٧] , وغيرها من الآيات الواردة في نفس هذا المعنى. (١)

وقال الشهرستاني في كتابه نهاية الإقدام: "والأصح أنهم معصومون عن الصغائر عصمتَهم عن الكبائر؛ فإن الصغائر إذا توالت صارت بالاتفاق كبائر، [وما أسكر كثيرُه فقليلُه حرام]. لكن المجوز عليهم عقلًا وشرعًا مثل ترك الأولى من الأمرين المتقابلين جوازًا وجوازًا، وحظرًا وحظرًا. ولكن التشديد عليهم في ذلك القدر يوازي التشديدَ على غيرهم في كبائر الأمور". (٢) وكلامه لا يدل على وجوب العصمة قبل البعثة. ونقل في الفقه الأكبر ما يقارب كلامَ الشهرستاني. (٣) ووجه آخر، وهو أن يتركوا الأفضلَ كآدم - عليه السلام - حين قاسمه إبليس حتى نسي النهي، وظن أنه يحترم اسم الله العظيم وترك الأفضل، وهو غاية الأمر، ولهذا قال الله تعالى في حقه: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)} [طه: ١١٥].

فأما ما قبل النبوة أو قبل أن يوحى إليه في فعل بعد النبوة، فالذي عليه الأكثرُ منعُ إنشاء الذنب والإصرار، لئلَّا تزول العصمةُ أصلًا. وجوزوا وقوعَ ذلك على سبيل الندرة، كقصة يوسف وإخوانه - وقد اختلف في كونهم أنبياء. والمرجح أن الأنبياء معصومون بعد النبوة صيانةً لمنصب النبوءة وحماية لأبهة الرسالة، ألا ترى قوله تعالى حكاية عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} [يونس: ١٦]؟ يعني لبثت بين ظهرانيكم أربعين سنة وما رأيتم افتراءً ولا خيانة فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان مشهورًا فيما بينهم بمحمد الأمين - صلى الله عليه وسلم -. (٤)


(١) وقد ساق القاضي عياض تلك الأدلة وناقشها، فانظرها في: الشفا، ص ٣٥٥ - ٣٦٨.
(٢) الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم: نهاية الإقدام في علم الكلام، تحقيق أحمد فريد المزيدي (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٥/ ٢٠٠٤)، ص ٢٤٨.
(٣) القاري: شرح الفقه الأكبر، ص ١٢٨.
(٤) انظر تفاصيل المذاهب في مسألة العصمة وما فيها من تقريرات وردود ونقوض في: الآمدي، سيف الدين: أبكار الأفكار في أصول الدين، تحقيق أحمد علي المهدي (القاهرة: مكتبة دار الكتب =

<<  <  ج: ص:  >  >>