للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم بعد البعثة عمدًا، ويجوز صدورُها منهم سهوًا، لكن لا يصرون عليها ولا يقرون. (١) وذهب إمامُ الحرمين من الأشاعرة وأبو هاشم الجبائي من المعتزلة إلى تجويز صدور الصغائر منهم عمدًا. قال إمام الحرمين في الإرشاد: "وأما الذنوب المعدودة من الصغائر، [على تفصيل سيأتي الشرحُ عليه، فلا تنفيها العقول]، ولم يقم عندي قاطعٌ سمعي على نفيها (أي: عدم وقوعها) ولا على إثباتها (أي: جواز وقوعها)؛ إذ القواطع نصوص أو إجماع، ولا إجماعَ، إذ العلماء مختلفون في تجويز وقوع الصغائر على سائر الأنبياء. والنصوص التي تُثبت حصولَها قطعًا، ولا يقبل فحواها التأويلَ، غيرُ موجودة. فإن قيل: إذا كانت المسألة مظنونة فما الأغلب على الظن عندكم؟ قلت: الأغلب جوازها، [وقد شهدت أقاصيصُ الأنبياء في الآي من كتاب الله تعالى على ذلك] ". (٢)

واستدل أبو بكر الباقلاني لرأيه بقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢]؛ إذ لا يُقالُ لِمَنْ لا ذنبَ له كالطفل والمجنون: قد غفرت لك، ولأن الآية وردت في معرض الامتنان، فلو لم يكن له ذنبٌ لم يكن له وجه، وبقوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣]، وبقوله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)} [طه: ١٢١]، وبقوله: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)} [الأعراف: ٢٣]، وبقوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: ٢٤]، وبقوله حكايةً عن


(١) ساق المصنف كلامَ التفتازاني بتصرف غير يسير. انظر التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله: شرح المقاصد، نشرة بعناية إبراهيم شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، ج ٣، ص ٣٠٩ - ٣١٠.
(٢) الجويني: كتاب الإرشاد، ص ٢٩٨ - ٢٩٩ (ما بين قوسين شرح من المصنف، وما بين حاصرتين من كلام الجويني لم يورده المصنف وسقناه استكمالًا لمساق المعنى). وانظر له في ذلك أيضًا: البرهان في أصول الفقه، تحقيق عبد العظيم الديب (المنصورة/ مصر: دار الوفاء، ط ١، ١٤١٢/ ١٩٩٢)، ج ١، ص ٣١٩ - ٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>