للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الفقه الأكبر المنسوب إلى أبي حنيفة: "الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الكبائر". (١) فأما أصحاب الأشعري فمنعوا الكبائر مطلقًا، وجوزوا الصغائرَ سهوًا. وذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في "الإيجاز" أن نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ فيما يؤديه عن الله تعالى، وكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. (٢)

قال التفتازاني في المقاصد: واختلفوا في صدور بعض المعاصي من الأنبياء على التفصيل، والجمهور على وجوبِ عصمتهم عما ينافِي مقتضى المعجزة - وهو دلالتُها على قول الله تعالى: "صدق عبدي فيما أخبر به عني". (٣) - لا عمدًا ولا سهوًا، وجوَّز القاضي أبو بكر الباقلاني وقوعَ ذلك سهوًا، ولم يرتضه الجمهور. والمذهبُ عند جمهور الأشاعرة منعُ صدور الكبائر بعد البعثة وقبلها. (٤) وأما الصغائرُ فلا تصدر


(١) القاري: شرح الفقه الأكبر، وعبارة الكلام المنسوب إلى أبي حنيفة قولُه: "والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم منزهون من الصغائر والكبائر والكفر والقبائح"، ص ١٢٦.
(٢) ليس للقاضي أبي بكر الباقلاني كتابٌ بعنوان "الإيجاز" فيما أعلم، ولم أعثر في كتبه التي اطلعت عليها على كلام يشبه ما نسبه له المصنف هنا. وهذا الكلام أورده بحرفه أبو عذبة ونسبه للقاضي أبي بكر أحمد بن محمد الدينوري المالكي (٢٨٠ - ٣٦٤ هـ)، نقلًا عن كتابه "الإيجاز في الحديث" وهو مصنَّف في جوامع الكلم النبوي مع الشرح. أبو عذبة الحسن بن عبد المحسن: الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية، تحقيق عبد الرحمن عميرة (بيروت: عالم الكتب، ١٤٠٩/ ١٩٨٩)، ص ٨٨.
(٣) هذا الكلام المعترض ليس للتفتازاني، وربما أخذه المصنف من القاضي عياض حيث يقول: "إذا قامت المعجزة على صدقه (أي النبي)، وأنه لا يقول إلا حقًّا، ولا يبلغ عن الله إلا صدقًا، وأن المعجزة قائمة مقامَ قول الله له: صدقتَ فيما تذكره عني. . . فالمعجزة مشتملة على تصديقه جملة واحدة من غير خصوص. فتنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك كله واجب برهانًا وإجماعًا، كما قال أبو إسحاق - رضي الله عنه -". اليحصبي: الشفا، ص ٣٣١.
(٤) وهو كذلك مذهب القاضي عبد الجبار من المعتزلة. الأسدآبادي، القاضي أبو الحسين عبد الجبار بن أحمد: المغني في أبواب التوحيد والعدل، ج ١٥: النبوات والمعجزات، تحقيق محمود قاسم ومراجعة إبراهيم مدكور (طبعة مصورة عن نشرة القاهرة بدون اسم الناشر ولا مكان النشر ولا تاريخه)، ص ٣٠٠ - ٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>