للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[المائة السابعة]]

أُصيب المسلمون في آخر القرن السادس وأول القرن السابع بمصائب يتلو بعضُها بعضًا، ولا يخلصون من واحدة إلى غيرها إلا كالمستجير بالنار من الرمضاء. فكانت الفتنُ متأججة فيما بين أنفسهم وفيما بينهم وبين أعدائهم: هنالك مواثبة الإسماعيلية، وتخالف ورثة السلطان صلاح الدين بن أيوب، وحروب خوارزمشاه مع الغورية في بلاد العجم وغيرها. وهناك وصول الإفرنج والألمان إلى شطوط الشام ومصر، وقد أشرفوا على امتلاك سائر القطرين. فارتبك حالُ القرن السابع على مريد التمييز، ولم يتعين من انبرى فيه لأمر المسلمين بالتجديد والتعزيز.

فكان حقًّا علينا أن نصف حالَ هذا القرن وصفًا نترك فيه الحكمَ للناظر المتبصر، ذلك أنه ما استهل القرن السابع حتى كانت الحروبُ قائمةً في بلاد الإسلام من كل مكان. فكان النصارى آخذين بمخانق البلاد الشامية والمصرية التي كانوا يتنازلونها من أواخر القرن السادس، (١) وكان قد عرض لهم فتورٌ في أوائلَ القرن السابع، فنهض البابا صاحبُ رومة، وندب ملوكَ النصارى إلى إمداد الجيوش المحتلة بالشام ومصر، فوصلت إليهم أمداد عظيمة فيما بين سنة ٦١٢ هـ وسنة ٦١٤ هـ.

وكان صاحبُ مصر والشام والجزيرة يومئذ الملك العادل ابن أيوب أخي صلاح الدين، فندب الملكُ العادل ابنَه الملك الكامل ليخرج يواجه جيوش النصارى في دمياط، وما لبث أن مرض الملك العادل واضطرب أمرُ المسلمين، وتنمَّر الأعداءُ للمسلمين في البلاد المصرية والثغور الشامية. وتوُفِّيَ الملكُ العادل، وخلفه ابنه الكامل في ملك مصر، وخاف الناس على مصر والشام أن يمتلكها


(١) لقد ابتدأ طمعُ ملوك النصرانية بالغلب على بلاد الإسلام من يوم ملك روجار النرمندي جزيرة صقلية بصلح مع المسلمين بها سنة ٤٥٤ هـ، ثم ما كان من تملك النرمنديين الهدية وجربة وغيرهما من مراسي البلاد التونسية والجزائرية. ثم رأوا الأهم بالقصد شطوط الشرق بالشام وبلاد مصر، فانتقلت وجهتُهم إليها وساروا لها تباعًا. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>