النصارى، وصاروا يتوقعون البلاءَ صباحًا ومساء، حتى أراد أهل مصر الجلاء عن بلادهم خوفًا من العدو الذي أحاط بهم من كل مكان.
ولولا أن الملكَ الكامل منعهم من الجلاء لتركوا البلاد خاوية على عروشها. فلما جلَّ الخطبُ وعظم الكرب، تابع الملك الكامل كتبه إلى أخويه الملك المعظم صاحب دمشق والملك الأشرف صاحب الجزيرة وأرمينية يستنجدهما ويحثهما على الحضور بأنفسهما أو يرسلان العساكر إليه. فسار الملك المعظم إلى أخيه الملك الأشرف لينضم إليه ويسيرا معًا، فوجده مشغولًا عن الإنجاد بما دهمه من اختلاف الكلمة في مملكته، مع بعد مملكته عن أن يمسها ضرر من الفرنج.
فرجع الملك المعظم، ولم يجد هو ولا أخوه الملك الكامل وسيلةَ خلاصٍ من تلك الورطة إلا بعثَ الرسل بين المسلمين وبين الإفرنج في تقرير قاعدة للصلح بين الفريقين، وبذل المسلمون للفرنج بيت المقدس، وعسقلان، وطبرية، وجبلة، واللاذقية، وجميع ما فتحه صلاح الدين من البلاد الشامية مما كان استحوذ عليه الفرنج في القرن السادس ما عدا الكرك. بذلوا ذلك للفرنج على أن يسلم الفرنج دمياط للمسلمين، فلم يرض الفرنج بذلك، وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضًا عن تخريب المقدس ليعمروه بها، وأن يكون الكرك أيضًا في جملة ما يسلم للفرنج. ولم يتم بينهم وبين المسلمين تراض، وبقيت الحرب ترسل من لهيبها كل شواظ.
وما عَتَّمَ أن زال الخلافُ من مملكة الأشرف، وأطاعه الملوك الخارجون عنه، واستقامت الأمورُ هنالك، فعادت المراجعةُ بينه وبين أخويه الكامل والمعظم. سار الملك الأشرف إلى دمشق بجند عظيم، ولما رأى قوةَ الفرنج غير منصبة على البلاد الشامية أكمل السيرَ إلى مصر، وواجه مع أخيه الكامل جيش الفرنج في بحر أشمون. (١) ونزل جيشُ المعظم دمياط، ثم عرج إلى أشمون، فاستبشر المسلمون
(١) هي نقطة على النيل اسمها أشمون، يحدها من الشرق دمياط ومحافظة القليوبية، ومن الغرب فرع رشيد محافظة الجيزة، ومن الشمال مركز منوف والباجور، ومن الجنوب مدينة القناطر الخيرية. وإليها ينسب عدد من العلماء.