للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما بلغ النابغةَ أن النعمان بن المنذر عليلٌ لا يُرْجى (١)، لم يملك الصبرَ على البعد عنه مع علته، وما أشفق عليه من حدوثه به، فصار إليه، وألفاه محمومًا يحمل على سرير، ينقل ما بين الفخر وقصور الحيرة، يحمله الرجال على الأكتاف، يتعاقبونه، فقال النابغة لعصام بن شهير حاجب النعمان الأبيات التي أولها:

أَلَمْ أُقْسِمْ عَلَيْكَ لَتُخْبِرَنِّي ... أَمَحْمُولٌ عَلَى النَّعْشِ الْهُمَامِ (٢)

فهذه عودة كانت في آخر حياة النعمان، وكانت في حال انقطاع عنه كما يدل عليه السياق.

[شرف النابغة ورفاهية عيشه]

كان النابغةُ يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة من عطايا النعمان وأبيه وجده، لا يستعمل غيرَ ذلك. أعطاه النعمان بن المنذر يومًا مائةَ بعير من النَّعم السود معها رعاتُها ومظالُّها (كالخيمات تستظل فيها الرعاة) وكلابُها (كلاب حراستها) (٣). [و] كان النابغةُ معدودًا من أشراف قومه، وهو أحد الأشراف الذين غضَّ منهم الشعر (٤). كان يجعل شَعَرَ رأسه ضفيرتين (٥). وكانت له وجاهةٌ عند الملوك وشفاعة، كما دل عليه قوله:

وَلَا أَعْرِفَنَّي بَعْدَ مَا قَدْ نَهَيْتكمْ ... أُجَادِلُ يَوْمًا فِي شَوِيٍّ وَجَامِلِ (٦)

قال أبو جعفر في شرحه: "أوقع عمرو بن الحارث الأصغر الغساني ببني مُرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، فلما جاؤوا بالسبي طلب فيهم النابغة إلى عمرو بن


(١) أي لا يُرجى أن يشفى أو يعيش.
(٢) الأغاني، ج ٤/ ١١، ص ٢٥٩ (نشرة الحسين)؛ ديوان النابغة الذبياني، ص ٢٣٢ (نشرة ابن عاشور).
(٣) ص ١١٦ كتاب الشعراء لابن قتيبة. - المصنف.
(٤) معاهد التنصص ص ١٥٠، وص ١٦٢ جزء ٩ الأغاني. - المصنف.
(٥) الأغاني ص ٢ - ٣ جزء ١٤. - المصنف.
(٦) ديوان النابغة الذبياني، ص ١٩٨ (نشرة ابن عاشور).

<<  <  ج: ص:  >  >>